ما صنعت؟ قال : قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنت لها وعميت عليكم (فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي* قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ ، وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ ، وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً). ولو كان إلها لم يخلص إلى ذلك منه.
فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون ، فقالوا لجماعتهم : يا موسى سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبة نصنعها فنكفر عنا ما عملنا. فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لذلك ، لا يألوا الخير من خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في الحق ، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة ، فرجفت بهم الأرض.
فاستحيا نبي الله عليهالسلام من قومه ومن وفده حين فعل بهم ما فعل فقال : (رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ، أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا؟) وفيهم من كان الله اطلع منه على ما أشرب قلبه من حب العجل وإيمانه به ، فلذلك رجفت بهم الأرض فقال : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ).
فقال : يا رب سألتك التوبة لقومي ، فقلت : إن رحمتي كتبتها لقوم غير قومي ، فليتك أخرتني حتى تخرجني في أمة ذلك الرجل المرحوم. فقال له : إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم من لقي من والد وولد ، فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن.
وتاب أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون أمرهم ، واطلع الله على ذنوبهم فاعترفوا بها «وفعلوا ما أمروا به وغفر الله للقاتل والمقتول.
ثم سار بهم موسى عليهالسلام متوجها نحو الأرض المقدسة ، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب ، فأمرهم بالذي أمر به من الوظائف فثقل ذلك عليهم وأبوا أن يقروا بها ، فنتق (١) الله عليهم الجبل كأنه ظلة ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم ، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرون إلى الجبل ، والكتاب بأيديهم وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم. ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة ، فوجدوا مدينة فيها قوم جبارون ، خلقهم خلق منكر ، وذكروا من ثمارهم أمرا عجبا (٢) من عظمها ، فقالوا : (يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) لا طاقة لنا بهم ، ولا ندخلها ما داموا فيها ، (فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ).
(قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ) قيل ليزيد : هكذا قرأه؟ قال : نعم ، من الجبارين ، آمنا بموسى وخرجنا إليه ، فقالوا : نحن أعلم بقومنا إن كنتم إنما تخافون ما رأيتم من أجسامهم وعددهم
__________________
(١) و : ونتق.
(٢) و : عجيبا.