هذا خطاب من الله تعالى مع داود ، والمراد ولاة الأمور وحكام الناس ، وأمرهم بالعدل واتباع الحق المنزل من الله ، لا ما سواه من الآراء والأهواء ، وتوعد من سلك غير ذلك وحكم بغير ذلك ، وقد كان داود عليهالسلام ، هو المقتدى به في ذلك الزمان (١) في العدل ، وكثرة العبادة ، وأنواع القربات ، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا ونهارا كما قال تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ).
قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام ، حدثنا صالح المري (٢) عن أبي عمران الجولي ، عن أبي الجلد ؛ قال : قرأت في مسألة داود عليهالسلام أنه قال : يا رب كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟ قال : فأتاه الوحي : «أن يا داود ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال : بلى يا رب ، قال : فإني أرضى بذلك منك».
وقال البيهقي : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنبأنا أبو بكر بن بالوية ، حدثنا محمد بن يونس القرشي ، حدثنا روح بن عبادة ، حدثني عبد الله بن لاحق ، عن ابن شهاب قال : قال داود :
«الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله. فأوحى الله إليه : إنك أتعبت الحفظة يا داود!».
ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن علي بن الجعد ، عن الثوري مثله.
وقال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد : أنبأنا سفيان الثوري ، عن رجل ، عن وهب بن منبه ، قال : إن في حكمة آل داود : حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات ، ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه ، وساعة يخلي بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام القلوب ، وحق على العاقل أن يعرف زمانه ، ويحفظ لسانه ، ويقبل على شأنه ، وحق على العاقل ألا يظعن إلا في إحدى ثلاث : زاد لمعاده ، ومرمة لمعاشه ، ولذة في غير محرم (٣).
وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا ، عن أبي بكر بن أبي خيثمة ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي الأغر ، عن وهب بن منبه. فذكره. ورواه أيضا عن علي بن الجعد ، عن عمر بن الهيثم الرقاشي عن أبي الأغر عن وهب بن منبه فذكره. وأبو الأغر هذا هو الذي أبهمه ابن المبارك في روايته. قاله ابن عساكر.
وقال عبد الرزاق : انبأنا بشر بن رافع ، حدثنا شيخ من أهل صنعاء يقال له أبو عبد الله قال سمعت وهب بن منبه ، فذكر مثله ، وقد أورد الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود عليهالسلام أشياء كثيرة مليحة منها قوله : كن لليتيم كالأب الرحيم ، واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد.
وروى بسند غريب مرفوعا قال داود : يا زارع السيئات أنت تحصد شوكها وحسكها.
__________________
(١) م : الوقت.
(٢) م : المزى. محرفة. وهو صالح بن بشير المري البصري نسب إلى مرة بن الحارث بن عبد القيس. اللباب في تهذيب الأنساب (٣ / ١٢٩).
(٣) الحديث رواه ابن المبارك في الزهد (١ / ١٠٥ / ٣١٣).