عبد الرحمن : عن أبي يعقوب العمي ، حدثني أبو مالك ، قال مر سليمان بن داود بعصفور يدور حول عصفورة فقال لأصحابه : أتدرون ما يقول؟ قالوا : وما يقول يا نبي الله؟ قال : يخطبها إلى نفسه ويقول زوجيني أسكنك أي غرف دمشق شئت! قال سليمان عليهالسلام : لأن غرف دمشق مبنية بالصخر لا يقدر أن يسكنها أحد ولكن كل خاطب كذاب (١).
رواه ابن عساكر عن أبي القاسم زاهر بن طاهر ، عن البيهقي به ، وكذلك ما عداها من الحيوانات وسائر صنوف المخلوقات ، والدليل على هذا قوله بعد هذا من الآيات : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) أي من كل ما يحتاج الملك إليه من العدد والآلات والجنود والجيوش والجماعات من الحن والإنس والطيور والوحوش والشياطين والسارحات والعلوم والفهوم والتعبير عن ضمائر المخلوقات من الناطقات والصامتات ، ثم قال : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) أي من بارىء البريات وخالق الأرض والسموات كما قال تعالى : (وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ).
يخبر تعالى عن عبده ونبيه وابن نبيه سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام أنه ركب يوما في جيش جميعه من الجن والإنس والطير. فالجن والإنس يسيرون معه والطير سائرة معه تظله بأجنحتها من الحر وغيره وعلى كل من هذه الجيوش الثلاثة وزعه الى نقباء يردون أوله على آخره فلا يتقدم أحد عن موضعه الذي يسير فيه ولا يتأخر عنه.
قال الله تعالى : (حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.)
[٢٧ : النمل / ١٨]
فأمرت وحذرت واعتذرت عن سليمان وجنوده بعدم الشعور. وقد ذكر وهب أنه مر وهو على البساط بواد بالطائف وأن هذه النملة كان اسمها جرسا ، وكانت من قبيلة يقال لهم بنو الشيصبان وكانت عرجاء وكانت بقدر الذئب.
وفي هذا كله نظر ، بل في هذا السياق دليل على أنه كان في موكبه راكبا في خيوله وفرسانه ، لا كما زعم بعضهم من أنه كان إذ ذاك على البساط لأنه لو كان كذلك لم ينل النمل منه شيء ولا وطء ، لأن البساط كان عليه جميع ما يحتاجون إليه من الجيوش والخيول والجمال والأثقال والخيام والأنعام والطير من فوق ذلك كله ، كما سنبينه بعد ذلك إن شاء الله تعالى.
والمقصود أن سليمان عليهالسلام فهم ما خاطبت به تلك النملة أمتها من الرأي السديد والأمر الحميد ، وتبسم من ذلك على وجه الاستبشار والفرح والسرور بما أطلعه الله عليه دون غيره ،
__________________
(١) رواه ابن عساكر في تاريخه (٦ / ٢٥٣ / تهذيب).