ثم حرض تعالى عباده المؤمنين على نصرة الإسلام وأهله ونصرة نبيه ومؤازرته ومعاونته على إقامة الدين ونشر الدعوة فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ). أي من يساعدني في الدعوة ، إلى الله ، (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) وكان ذلك في قرية يقال لها الناصرة فسموا بذلك النصارى قال الله تعالى : (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) يعني لما دعا عيسى بني إسرائيل وغيرهم إلى الله تعالى منهم من آمن ومنهم من كفر ، وكان ممن آمن به أهل أنطاكية بكمالهم فيما ذكره غير واحد من أهل السير والتواريخ والتفسير بعث إليهم رسلا ثلاثة ، أحدهم شمعون الصفا فآمنوا واستجابوا (١) وليس هؤلاء هم المذكورون في سورة يس لما تقدم تقريره في قصة أصحاب القرية ، وكفر آخرون من بني إسرائيل وهم جمهور قال تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) الآية فكل من كان إليه أقرب كان غالبا (٢) لمن دونه ، ولما كان قول المسلمين فيه هو الحق الذي لا شك فيه ، من أنه عبد الله ورسوله كانوا ظاهرين على النصارى الذين غلوا فيه وأطروه وأنزلوه فوق ما أنزله الله به.
ولما كان النصارى أقرب في الجملة مما ذهب إليه اليهود [فيه](٣) عليهم لعائن الله ، كان النصارى قاهرين لليهود في أزمان الفترة إلى زمن الإسلام وأهله.
__________________
(١) و : واستعجلوا.
(٢) م : كان عليا.
(٣) من و.