لِيُنْذِرَكُمْ) أي ليس هذا بعجيب ؛ فإن الله أعلم حيث يجعل رسالته.
وقوله : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ* هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ* إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ* قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ). استبعدوا الميعاد وانكروا قيام الأجساد بعد صيرورتها ترابا وعظاما ، هيهات ، هيهات ، أي بعيد بعيد هذا الوعيد ، (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) أي يموت قوم ويحيا آخرون وهذا هو اعتقاد الدهرية ، كما يقول بعض الجهلة من الزنادقة : أرحام تدفع وأرض تبلع.
وأما الدورية فهم الذين يعتقدون أنهم يعودون إلى هذه الدار بعد كل ستة وثلاثين ألف سنة.
وهذا كله كذب وكفر وجهل وضلال ، وأقوال باطلة وخيال فاسد بلا برهان ولا دليل ، يستميل عقل الفجرة الكفرة من بني آدم الذين لا يعقلون ولا يهتدون ، كما قال تعالى :
(وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ.)
[٦ / الأنعام : ١١٣]
وقال لهم فيما وعظهم به : (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ.) يقول لهم : أتبنون بكل مكان مرتفع بناء عظيما هائلا كالقصور ونحوها ، تعبثون ببنائها لأنه لا حاجة لكم فيه ، وما ذاك إلا لأنهم كانوا يسكنون الخيام ، كما قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ* الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) فعاد إرم هم عاد الأولى الذين كانوا يسكنون الأعمدة التي تحمل الخيام.
ومن زعم أن (إِرَمَ) مدينة من ذهب وفضة وهي تنتقل في البلاد ، فقد غلط وأخطأ ، وقال ما لا دليل عليه.
وقوله : (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) قيل هي القصور ، وقيل بروج الحمام ، وقيل مآخذ الماء (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) أي رجاء منكم أن تعمروا في هذه الدار أعمارا طويلة (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ* فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ* وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ* أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ* وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
وقالوا له مما قالوا : (أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا؟ فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي أجئتنا لنعبد الله وحده ، ونخالف آباءنا وأسلافنا وما كانوا عليه؟ فإن كنت صادقا فيما جئت به فأتنا بما تعدنا من العذاب والنكال ، فإنا لا نؤمن بك ولا نتبعك ولا نصدقك.
كما قالوا : (سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ* إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ* وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ). أما على قراءة فتح الخاء ، فالمراد به اختلاف الأولين ، أي إن هذا الذي جئت به