إلا اختلاق منك ، أخذته من كتب الأولين ، هكذا فسره غير واحد من الصحابة والتابعين. وأما على قراءة ضم الخاء واللام ـ فالمراد به الدين ؛ أي إن هذا الدين الذي نحن عليه إلا دين الأولين الآباء والأجداد من الأسلاف ، ولن نتحول عنه ولا نتغير ، ولا نزال متمسكين به.
ويناسب كلا القراءتين الأولى والثانية قولهم : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ).
قال : (قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ، أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ؟ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) أي قد استحققتم بهذه المقالة الرجس والغضب من الله ، أتعارضون عبادة الله وحده لا شريك له بعبادة أصنام نحتموها وسميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم؟ اصطلحتم عليها أنتم وآباؤكم ، ما نزل الله بها من سلطان ، أي لم ينزل على ما ذهبتم إليه دليلا ولا برهانا ، وإذ أبيتم قبول الحق وتماديتم في الباطل ، وسواء عليكم أنهيتكم عما أنتم فيه أم لا ، فانتظروا الآن عذاب الله الواقع بكم ، وبأسه الذي لا يرد ونكاله الذي لا يصد.
* * *
وقال تعالى : (قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ* قالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا؟ فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ* فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ ، قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ، بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ* تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).
وقد ذكر الله تعالى خبر إهلاكهم في غير ما آية كما تقدم مجملا ومفصلا ، كقوله : (فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ) وكقوله : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ* وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ ، أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ).
ولقوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى :
(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).
وأما تفصيل إهلاكهم فكما (١) قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب ، أنهم كانوا ممحلين مسنتين ، فطلبوا السقيا فرأوا عارضا في السماء وظنوه سقيا رحمة ، فإذا هو سقيا
__________________
(١) م : فلما.