الدّهر العدم السّابق على الوجود فقط ، وإلاّ لزم أن يكون بحسب وعاء الدّهر طرفان وواسطة ، وذلك يستلزم الامتداد فى وعاء الدّهر. والقول به سفاهة فى جهالة.
وأمّا أنّ ذلك الامتناع ـ هل هو بالنّظر إلى طباع وعاء الدّهر فقط من جهة عدم متصوّريّة الامتداد فيه ، أو بالنّظر إلى سنخ ذات الماهيّة أيضا ، من حيث إنّ الشّيء إذا تجوهرت حقيقته التّصوّريّة لا تبطل هى ولا يفقدها هو بحسب نفس الأمر أبدا ، حتّى يصحّ أن لا يكون له حقيقة بحسب نفس الأمر ، وقد صار هو ذا حقيقة فى نفس الأمر ـ فمحلّ إسباغ للنّظر وموقع إعمال للقريحة. ولعلّ الغريزة المتوقّدة تقضى فيه بالحدس الصّائب.
ثمّ العدم العينىّ الطارئ على الماهيّة فى وعاء الدّهر أيضا ممتنع ، كما العدم الطّارئ بالقياس إلى الوجودين معا (٤٩) فيه بعين ما كدّر عليك ، من عدم متصوّريّة الامتداد فيه ، بل الحادث الزّمانىّ الّذي ينبتّ وجوده بانقطاع استمراره فى افق الزّمان ليس يتصوّر له عدم عينىّ طار فى وعاء الدّهر ، وإنّما هو يتّصف فى وعاء الدّهر بوجوده الّذي له فى زمان وجوده بعد العدم.
وهذا الوجود ، يلحظ تارة من حيث هو وجود بما هو وجود ، لا بما هو مستمرّ أو غير مستمرّ. وهو من هذه الحيثيّة وجود دهرىّ ؛ وتارة باعتبار أنّه متخصّص بالزّمان ومرتبط بالوقوع فيه ، وهو بهذا الاعتبار وجود زمانىّ يعقل فيه الاستمرار والانقطاع ، ولا يتلبّس بحسب ذلك الوعاء المتقدس عن التّقضّى والتّجدّد بالوجود فى زمان آخر أصلا فى الآزال والآباد.
وذلك الوجود ـ أعنى الّذي هو له فى زمان الحصول ـ لا يكاد يصحّ العدم الطارئ بالقياس إليه من سبيلين ، أحدهما : عدم الامتداد فى وعاء الدّهر ، وثانيهما : أنّ ذلك إنّما يتصوّر بارتفاع الوجود عن ذلك الشّيء الموجود فى ذلك الزّمان ؛ إذ الوجود فى غير ذلك الزّمان مرتفع فى الآزال والآباد ، فكيف يكون رفعه طاريا. وذلك ممّا هو يتضمّن ضمّ النّقيضين ؛ والشّيء الزّمانىّ لا يكون اتّصافه بطبيعة الوجود إلاّ بأن يكون موجودا فى زمان ما أو فى جميع الأزمنة. وإن صحّ سلخ هذا الاعتبار عن ذلك الوجود وانسلاخ