ذلك الوجود عن هذا الاعتبار فى لحاظ العقل بأن يؤخذ بما هو وجود ذلك الشّيء فى نفس الأمر ، لا بما هو متخصّص بأن يكون فى افق الزّمان.
وهو بهذه الحيثيّة وجود فى وعاء الدّهر والزّمان كسائر الماهيّات الممكنات فى أنّ طرء العدم عليها فى وعاء الدّهر طرءا دهريّا ممتنع من جهة أنّ وعاء الدّهر يرتفع شأنه عن صحّة تصوّر الطرفين والوسط والامتداد واللاّامتداد فيه ، لا لخصوصيّة زائدة لماهيّة الزّمان ليست لتلك الماهيّات.
وإنّما خصوص ماهيّة الزّمان يقتضي امتناع طرء العدم على الزّمان من بعد الوجود طرءا زمانيّا يكون بحسب الوجود قبل العدم قبليّة زمانيّة ؛ فإنّ ذلك يمتنع على طبيعة الزّمان بنفس ماهيّته. وليست سائر الماهيّات على هذه الشّاكلة ، كما يمتنع على نفس ماهيّته أن يسبق وجوده العدم سبقا بالزّمان ، وإنّما يمكن ذلك بالنّظر إلى سنخ طبيعته بالسّبق الدّهرىّ فقط ، وليست هذه السّنّة لسائر الماهيّات.
وهذه المعانى إنّما تتعرّف بثقافة البصيرة وشحاذة السّجيحة وأنّ المدارك العاميّة المخدجة الغير المراهقة نصاب البلوغ لهى بمعزل عن إدراك هذه الحقائق ونظائرها. فعليك باستضاءة غشاوة الوهم والاستمساك بالضّراعة إلى واهب العقل ؛ فإنّ تلك الدّرجة هى العروة الوثقى لهذه النّفس المجرّدة ، وبها انساح لنا بال الرّوع لإيعاء العلوم الشّاهقة فى وعاء القريحة الدّاهقة ، والحمد للّه ربّ العالمين.