أفليس البياض من الموجودات الحقيقيّة وإن كان وجوده الّذي ليس من إقليم المجاز ، بل هو فى ذاته على سبيل الحقيقة ليس لذاته ، بل هو لغيره المنعوت به ، وإنّ وجوده له اعتباران : أحدهما : أنّه تحقّق البياض فى نفسه لا على التّجوّز ، وهو بذلك الاعتبار محمول الهلىّ البسيط من العقود. والآخر : أنّه بعينه هو فى الجسم. وهذا مفهوم آخر غير تحقّق البياض فى نفسه وإن كان هو بعينه تحقّق البياض فى نفسه ملحوظا بهذه الجهة. وإنّما يصحّ أن يقع محمولا فى الهلىّ المركّب ؛ كقولنا : «البياض موجود فى الجسم». ومفاده : أنّه حقيقة ناعتيّة ، ليس وجودها فى نفسها لذاتها ، وإنّما هو فى الجسم والمحلّ.
وربّما يجعل حينئذ موضوع العقد ، فيقال : وجود البياض فى نفسه هو وجوده فى الجسم أو المحلّ. وهذا من خواصّ الماهيّات النّاعتيّة.
ثمّ وجود الشّيء النّاعتيّ ـ بعد ما أن يؤخذ على هذه الجهة ـ يلحظ على نحوين : تارة ينسب إلى ذلك الشّيء ، كما يكشف لك ، فيكون من أحواله ، وتارة إلى المنعوت ، فيقال : الجسم موجود له البياض ، أو الجسم فيه البياض ، فيصير بهذا الاعتبار من حالات المنعوت.
وعلى قياس ما تلى عليك يقع لفظ الوجود فى نفسه أيضا بالاشتراك على معنيين : أحدهما بإزاء الوجود الرّابطىّ بالمعنى الأوّل. وهو وجود نفس الشّيء على الإطلاق وعلى الحقيقة ، ويعمّ ما لذاته ، كوجود الجوهر ، وهو الوجود فى نفسه ولنفسه ، أى : وجود الشّيء لنفس الشّيء ، وما لغيره ، كوجود العرض ، وهو الوجود فى نفسه ، لا لنفسه ، أى : وجود الشيء ، لا لنفس الشّيء. والآخر : بإزاء الرّابطىّ بالمعنى الأخير ، وهو ما يخصّ لنفسه ، ولا يكون للطبائع النّاعتيّة.
وبالجملة ، الوجود الرّابطىّ ، بالمعنى الأوّل ، مفهوم رابطىّ غير معقول على الاستقلال ، ويستحيل أن يسلخ عنه ذلك الشّأن ويؤخذ معنى اسميّا يعقل بتوجيه الالتفات نحوه ، حتّى يصير الوجود المحمول ، لاستحالة أن ينسلخ الشّيء عن طباعه وجوهريّاته. نعم ربّما صحّ أن يؤخذ نسبيّا غير رابطىّ (٥٤). وبالمعنى الثّاني