وإنّ وجود المعلول بما هو معلول مطلقا هو وجوده لعلّته ، وإنّ وجوده السّافل بما هو سافل مطلقا هو وجوده لدى العالى المحيط بجملة السّافلات.
فالممكنات طرّا ـ مادّيّاتها ومفارقاتها ـ موجودات ، لا لذواتها ، بل لغيرها ، الّذي هو فوق الذّوات المتفوّقات ومسفل العوالى المستعليات ، عزّ مجده وجلّ ذكره.
فإذن ، لا وجود لذاته إلاّ إذا كان الوجود لا موضوع له ، فيكون هو وجود نفسه ، لا وجود شيء غير نفسه. فإذن لا وجود لنفسه فى عوالم الإمكان ، كما لا وجود بنفسه فيها ، بل فيها الوجود المحمول الّذي هو رابطىّ باعتبار آخر. والوجود الرّابط الّذي ليس هو بمحمول بوجه ما أصلا. فإذن ، الموجود لذاته ليس إلاّ القيّوم الواجب بالذّات ، جلّ جنانه ، كما أنّ الموجود بذاته ليس إلاّ هو.
وهذه المسألة من كرائم المسائل الرّبوبيّات ومن شارقات الآيات العقليّة البيّنات الّتي هى أنوار مشرقة فى سماوات النّفوس العاقلات القادسات ، وهى معشوقات قريحتنا الرّوعيّة، ونيلها لدينا أكرم البغية النّوريّة فى عالم العقل بما فيه من الباهجات المعجبات ، ولذلك ما ربّما تعجّلناها لإلظاظ الرّوع بذكرها وانجذاب السّرّ إليها.
<٨> وهم ودفاع
ربّما توهّم أنّه إذا كان الوجود فى الهليّة المركّبة ، ورجع مفاد العقد إلى ثبوت المحمول للموضوع ، فيلزم للمحمول وجود ، إذ الوجود للغير لا يعقل بدونه ، فلا يصحّ إثبات العدميّات للموضوعات. ثمّ إنّ ثبوته للموضوع ثابت أيضا للموضوع ، فيكون له أيضا ثبوت ثابت هو أيضا للموضوع ، إلى لا نهاية.
وإنّا قد كشفنا ، فيما تلونا عليك من قبل ، فسخه. والآن فقد نكشف أنّ ثبوت المحمول للموضوع ليس هو وجوده فى نفسه ، ولكن للموضوع ، كوجود الأعراض (٥٥) لمحالّها حتّى يستلزم وجوده فى نفسه ، بل إنّما هو اتّصاف موضوعه