به ـ أى الوجود الرّابط ـ فيجود أن يتّصف الموضوع بالعدمىّ ممّا له ثبوت فى ذهن ما. واللاّنهاية فى الثّبوتات تنبّت بانبتات اعتبار العقل ؛ إذ ما لم يلحظ ثبوت المحمول للموضوع بالذّات ولم يعقل بالقصد ، لم يمكن أن ينتسب إلى الموضوع ويحكم بثبوته له.
فإذا قيل : «الإنسان كاتب» ، فقد يعقل مفهوم ثبوت الكتابة للإنسان ، على أنّه أداة للحاظ حال الإنسان والكتاب ومرآة لتعرّفهما ، لا على أنّه ملحوظ بالالتفات ومعقول بالقصد. فلا يمكن بحسب هذا التّعقّل أن يراعى حال ذلك الثّبوت ولا يتصوّر أن ينسب إلى الموضوع بالثّبوت واللاّثبوت.
فإذا قلت : ثبوت المحمول للموضوع كذا ، فقد جعلته منظورا إليه بالالتفات وملحوظا بالقصد ، لا بالتّبعيّة. وليس هو اتّصاف الموضوع بالمحمول الّذي لا يقع إلاّ بين الحاشيتين لا حاشية للحكم. فلذلك أمكنك أن تنسبه إلى الموضوع وتعتبر له ثبوتا آخر. وحينئذ يرجع الأمر إلى أن يكون ذلك الثّبوت الآخر آلة لتعرّف حال الثّبوت الأوّل ولا يكون معقولا بذاته ولا ملحوظا قصدا.
فإن التفتّ إليه وقلت : ثبوت الثّبوت كذا فقد فاتتك الحاشيتان إلاّ بالعرض ، وأمكنك أن تعتبر للثّبوت الآخر ثبوتا ثالثا ، وهكذا. فإذن ، تعقّل الثّبوت الثّاني يتوقّف على تعقّل الثّبوت الأوّل بالقصد ، وتعقّل الثّالث على تعقّل الثّاني كذلك ، والعقل تنتهى لحاظاته ، فتثبت السّلسلة.
<٩> تنصيص
إنّى أحكمت ما حكم به شركاؤنا السّالفون : أنّ المحمولات بما هى محمولات ليس وجودها فى أنفسها إلاّ وجودها لموضوعاتها ، لسنا نعني بذلك أنّ وجودها فى نفسها هو بعينه وجودها لموضوعاتها ، كما فى الأعراض ؛ إذ المحمول بما هو محمول ليس له وجود فى نفسه يكون هو لموضوع ذلك المحمول ، بل إنّه لا يوجد نفسه ، وإنّما يتصوّر هناك الوجود الرّابط بين الموضوع والمحمول ، فإنّما له ثبوت