الاتّصاف نسبة ، فكيف يكون أوّل الصّوادر ، وأنّ الموجد للحركة بالاختيار لا يحتاج إلاّ إلى أن يتخيّل الحركة المخصوصة ، لا إلى تصوّر الاتّصاف بالوجود.
وبعض الإشراقيّة من أتباع الرّواقيّة يتمسّك : بأنّ الوجود من الاعتبارات العقليّة ، فلا يكون من الفاعل إلاّ نفس الماهيّة العينيّة. ولو كان الوجود هو ما من الفاعل : فإمّا إن لم يفده شيئا زائدا ، فهو كما كان ، أو أفاد ، فكان للوجود وجود إلى لا نهاية.
وهو أيضا على خداج قلّة الجدوى. فالانتزاعيّات الذّهنيّة كالعينيّات الخارجيّة ، والاتّصاف باعتبار العقليّة كالتّلبّس بالأوصاف العينيّة فى الاحتياج إلى الفاعل. وكون الماهيّة عينيّة إنّما معناه صحّة أن ينتزع منها الوجود فى الأعيان.
والمشّائيّة تضع : أنّ ذلك أثر إفادة الفاعل ، لا نفس المنتزع ، ولا الماهيّة المنتزع منها ، ولا نفس حقيقة صحّة الانتزاع. فمحجّة البرهان ما انتهجناه.
ثمّ الأجدر بالجعل البسيط ، لتقدّسه عن شوائب التّكثّر ، أن يقال له تأثير إبداعىّ وإخراج للأيس عن اللّيس المطلق ؛ وب «المؤلّف» : إنّه اختراعىّ مسبوق بقابل ما ، وإن لم تكن المادّة. ولذلك كان الأوّل أصون للتّحفّظ عن إسناد الكثرة فى المعلول الأوّل إلى الوحدة الحقّة.
<٣> شكوك وإزاحات
لعلّك تقول : أليس من المتحقّق : أنّ سلب الشّيء عن نفسه إنّما يمتنع (٦) مطلقا إذا كان وجود الشّيء عين ماهيّته ، فلم يتصوّر عدمه أصلا. وأمّا فى الماهيّات الممكنة فإنّما مع اعتبار الوجود فقط ، إذ يصحّ سلب المعدوم عن نفسه فضلا عن الذّاتيّات. وربّما تصدق السّالبة بانتفاء موضوعها ، وذات الممكن لا تأبى العدم ، ولذلك لم يكن شيء من الممكنات هو هو لذاته. وكان هو المطلق هو المبدأ الأوّل وحده. وفى الأسماء الإلهيّة : «يا هو ، يا من هو ، يا من لا هو إلاّ هو». فكيف يستقيم عدم تخلّل الجعل بين الشّيء ونفسه وبينه وبين ذاتيّاته.
ثمّ أما وضعت من قبل : أنّ الوجود خارج عن الماهيّات الممكنة ، نسبته إليها