<٥> ظنّ وحسبان
إنّ من لم يتعلّم ما علّمناك وظنّ أنّ الماهيّة الإمكانيّة تكون علّة لإمكانها الذّاتىّ حسب من براهين إبطال الإمكان بالغير أنّه لو أمكن ذلك لزم انقلاب الواجب بالذّات أو الممتنع بالذّات إلى الممكن بالذّات أو توارد علّتين مستقلّتين ، هما الذّات والغير ، على معلول واحد هو الإمكان الذّاتىّ للذّات.
وقد اورد عليه : أنّه يجوز أن تكون عليّة الذّات أو استقلالها بالعليّة مشروطة بانتفاء الغير. فإذا وجد لم يكن للذّات عليّة أو استقلال ، فلا يلزم توارد العلّتين المستقلّتين ، كما فى اعدام أجزاء المركّب ؛ فإنّ كلاّ منهما علّة مستقلّة لعدمه عند الانفراد ، وإذا اجتمع عدّة منها بطل استقلال الآحاد.
ودفع : بأنّ الإمكان حينئذ يستند مرّة إلى الذّات بشرط انتفاء الغير ومرّة إلى الغير ، فلا يزال للغير مدخل فى إمكان الذّات ، إذ لو لم يكن له مدخليّة ما كانت الذّات علّة تامّة على كلّ وجه. وإذ نيط اقتضاء الذّات بأمر ما غيرها فلا يكون الشّيء ممكنا ذاتيّا. فإمّا إنّه واجب بالذّات أو ممتنع بالذّات ، وإلاّ فسدت القسمة الحقيقيّة.
والحقّ : أنّ علّة عدم المعلول طبيعة عدم أحد علله. وذلك أمر واحد لا تعدّد فيه بحسب نفسه وإن تعدّدت أفراده ؛ فإنّها ليست عللا بخصوصها ، بل العلّة هى (٧٢) القدر المشترك ، والطبيعة المرسلة بما هى طبيعة مرسلة لا تتكرّر ، ولا ينسب إليها التّكثّر إلاّ بالعرض. وإنّما المتكثّرة والمتكرّرة خصوصيّات الآحاد الّتي هى لغات فى العلّيّة ، والطبيعة المرسلة محفوظة بتعاقباتها وواحدة فى تكرّراتها وينحفظ بانحفاظها مقتضاها ولا يلزم تكرّره. بل الفحص التّحصيلىّ يحكم أنّ عدم علّة المعلول الشّخصىّ عدم علّته التّامّة الشّخصيّة.
وربما يقال : لو كان إمكان الشّيء معلولا لغيره لكان هو بحسب ذاته جائزا أن يكون ممكنا وأن يكون واجبا لذاته أو ممتنعا لذاته ، وإمكان كون الشّيء واجبا لذاته أو ممتنعا لذاته مشتمل على التّناقض.
وأيضا ، يكون على تقدير عدم تأثير الغير فيه واجبا أو ممتنعا ، وكلاهما