إليه ؛ فإن اخذ العدم الطارئ فردا من طبيعة رفع الوجود لم يكن رفعه فردا من تلك الطبيعة ، بل من طبيعة العدم ، بمعنى مطلق الرّفع المساوق للسّلب المستفاد من كلمة النّفى مطلقا. وقد عرّفناك أنّ السّلب يقع بإزاء الماهيّة وبإزاء الوجود جميعا.
فإن لجّ لاجّ من ضعفاء العقول وأقوياء الأوهام على أنّ الرّفع مقصور على الإضافة إلى الثّبوت الانتزاعىّ البتة دون الماهيّة فى نفسها ، فيكون قد حاول إرجاع النّقيضين إلى ثبوت العدم الطارئ ورفعه وإخراجهما عن طبيعة واحدة.
ثمّ إن أعدت النّظر فى رفع رفع شيء ما من الأشياء مقيّدا بالطريان ؛ فإنّه فرد من طبيعة الرّفع المضاف إلى الرّفع ، ونقيضه ـ وهو رفعه أيضا ـ فرد من تلك الطبيعة.
قيل لك : إنّ نقيض الشّيء بمعنى رفعه قد يكون من أفراد ماهيّة ؛ فأحد النّقيضين يكون رفعا بالنّسبة إلى الآخر ولا يكون الآخر رفعا بالنّسبة إليه ، بل مرفوعا به ، فيكون من حيّز الإيجاب الإضافي بالنّسبة إليه وإن كان فى نفسه ماهيّة الرّفع.
فإذن ، التّناقض بهذا المعنى ليس يتكرّر من جانبى النّقضيين ، إذ لا يكون كلّ منهما رفعا لصاحبه ، بل المتكرّر هو المفهوم الأعمّ من كون الشّيء رفعا لمفهوم أو مرفوعا به. ومن هاهنا يتأسس أنّه لا يكون بين أكثر من مفهومين تناقض ، فلا يكون شيئان مفهوم كلّ منهما رفع شيء واحد بعينه. وينبسط القول فيه من ذى قبل إن شاء اللّه تعالى.
<١٢> مسألة امتحانيّة
لو أمكن أن يكون الوجوب أو الامتناع للشىء بوسط مستند إليه لم يكن يستوجب أن يخرج بذلك عن حدّ حقيقة الإمكان (٧٥). لكنّ البرهان الفاصل قد قام على استحالة ذلك. فلو قدّر أنّ ممكنا ما يقتضي امتناع كلّ عدم بخصوصه بالنّظر إلى ذاته لم يكن يلزم امتناع طبيعة العدم المرسل لا بشرط شيء بالنّظر إلى ذاته من حيث هى هى ، بل إنّما من حيث إنّه يقتضي امتناع جميع أنحاء العدم ، والطبيعة المرسلة لا تتحقّق إلاّ بتحقّق شيء من أفرادها ، فذلك الاقتضاء وسط بين الذّات