وإنّما الفئة المهملة لهذه المعايير العلميّة يعتريه الخبط ويتشوّش عليهم الأمر بعدم تحصيل الجهات العقليّة وعدم التّمييز بينها وبين الصّفات العينيّة.
<١٨> شكوك وتنبيهات
ربّما شكّك : بأنّ الواجب لذاته يساوى سائر الموجودات فى أصل الوجود ويخالفها فى الوجود ، وما به المساواة غير ما به المفاوتة ، فالوجود غير الوجوب. وأيضا ، ليس قولنا : «موجود واجب» كقولنا : «موجود موجود». ولو كان الوجود هو الوجوب كان هو هو ؛ وإذا كانا متغايرين فيقال : ليس يصحّ أن يكون الوجود مستلزما للوجوب ، وإلاّ لكان كلّ موجود واجبا.
وأزيح : بأنّ الوجود المشترك لو كان يدلّ على الموجودات بالتّواطؤ للزم من كونه مستلزما للوجوب فى موضع أن يكون كلّ وجود مستلزما له ، لكنّه يدلّ عليها بالتّشكيك. والمعانى المشتركة على سبيل التّشكيك لا يقتضي استلزام بعضها لشيء استلزام غير ذلكالبعض لذلك الشّيء. مثلا ، نور الشّمس يستلزم زوال العشى (١) وسائر الأنوار لا يقتضيه ؛ لاشتراك طباع النّور بين نورها وسائر الأنوار بالتّشكيك. ونحن كنّا قد أومأنا إلى الحقّ القراح فيما سلف ونكر فنبسط القول فيه من ذى قبل إن شاء اللّه تعالى.
و [ربما شكّك] بأنّ الوجود لو كان ملزوما للوجوب لزم كون الوجوب معلولا له ، وكلّ معلول ممكن لذاته ، وكلّ ممكن لذاته واجب بعلّته. فقبل هذا الوجوب وجوب آخر لا إلى نهاية.
وأزاحه بعض من يحمل عرش العلم والتّمييز(٢) بأنّه لا يلزم من كون الوجوب لازما كونه معلولا ؛ فإنّ الحقّ : أنّ الوجوب والإمكان والامتناع امور معقولة
__________________
(١). العشى ، بفتح العين مقصورا ، مصدر الأعشى ، وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار. والمرأة عشواء ، والمرأتان عشوا آن. منه ره.
(٢). عنى به خاتم المحققين ، نصير الملة والدين ، محمّد بن الحسن الطوسىّ ، نوّر سرّه القدوسىّ. منه ، ره.