زمانىّ ، فإنّه يتقدّم وجوده إمكان سابق عليه وموضوع يحلّه ذلك الإمكان.
وثمّ يليق بك أن لا تنسى ما قد تعلّمت من قبل : أنّ الصّفات على ضربين ؛ صفات لها وجود فى العين وفى الذّهن ، كالبياض والسّواد ، وتستلزم اعتبارات عقليّة غير عينيّة ، كالأبيضيّة والأسوديّة ؛ وصفات توصف بها الماهيّات ، وليس لها وجود إلاّ فى الذّهن ، ووجودها العينىّ هو أنّها فى الذّهن كالنّوعيّة المحمولة على الإنسان والجزئيّة المحمولة على زيد ؛ فإنّ قولنا : «زيد جزئيّ فى الأعيان» ، لا نعنى به أنّ الجزئيّة لها صورة فى الأعيان قائمة بزيد. وكذلك الشّيئيّة عند الكثيرين المسلّمين أنّها من المعقولات الثوانىّ والامتناع والإمكان والوجوب وأمثالها.
فليس شيء منها حقيقة متأصّلة ، بل الحقيقة إمّا فى نفسها إنسان أو فلك أو غير ذلك ، ثمّ يلزمها فى العقل : إمّا الواجبيّة أو الممكنيّة أو الممتنعيّة. ويصحّ أن يقال : مثلا : شيء فى الأعيان أو ممتنع فى الأعيان أو ممكن فى الأعيان ؛ ولا يكون للشّيئيّة أو الامتناع أو الإمكان صورة فى الأعيان زائدة على ذات ج.
فهى محمولات عقليّة تثبت لما فى الذّهن تارة ولما فى العين اخرى ، ولا تكون (٧٧) أجزاء للماهيّة العينيّة ، وليس يصحّ إلحاق شيء منها بأيّة ماهيّة اتّفقت ، بل إنّما يلحظ صلوحها لذلك المحمول العقلىّ من الماهيّات المخصوصة. فللماهيّات خصوص لا يصدق عليه كلّ اعتبار الحق به. وليس من شرط أن يكون الشّيء أمرا ذهنيّا أن يكون متساوي النّسبة إلى جميع الماهيّات. أليست الجزئيّة والجنسيّة والنّوعيّة من الامور الذّهنيّة ، ولا يصحّ إلحاق كلّ منها إلاّ بماهيّة دون ماهيّة. والمطابقة واللاّمطابقة فى القضايا المعقودة بها إنّما تعتبر بالقياس إلى صلوح الماهيّة ولا صلوحها لذلك.
فإذن ، ليس إذا لم يكن للإمكان ، مثلا ، صورة فى الأعيان قائمة بالماهيّة يلزم أن يكون الحكم ، بأنّ «ج» ، مثلا ، ممكن فى الأعيان ، جهلا ؛ إذ ليس بإزائه فى الأعيان مطابق. أليس صلوح ماهيّة «ج» لذلك فى لحاظ العقل هو مطابق الحكم ومعيار الصّدق.