وكذلك القول فى لوازم الماهيّات ، بناء على الحقّ من إسنادها إلى نفس الماهيّة ، فثبوتها للماهيّة مترتّب على فعليّة المرتبة ومستلزم لثبوتها لا متوقف عليه ؛ فإنّ الوجود وإن كان أوّل ما يلحق الماهيّة وينتزع منها ، لكن ليس ذلك بحسب ما يستدعيه ثبوت اللاّزم للماهيّة ، بل كانت الماهيّة المتقرّرة فى نفسها بحيث أن كان أوّل ما يتبعها وينتزع منها الموجوديّة.
وإنّما استدعاء ثبوت اللاّزم للماهيّة أن يكون مقترنا بوجودها ومسبوقا بفعليّتها لا غير ، واستدعاء طبيعة الملزوم أن تكون مخلوطة بالوجود فى مرتبة اقتضائها لذلك اللاّزم ، ولذلك امتنع أن يكون الوجود من لوازم الماهيّة.
وربما يكون على الفرعيّة والتّرتّب بالنّسبة إلى تقرّر المثبت له وثبوته كليهما ، كما فى العوارض اللاّحقة غير الوجود وغير لوازم الماهيّة ، أى حيث يرجع الثبوت إلى لحوق شيء خارج عن قوام الماهيّة غير منتزع من نفسها وغير مستند إليها ؛ فإنّ ثبوتها للمعروض مسبوق بفعليّة ماهيّة المعروض وبوجوده جميعا.
وقد يكون بحسب خصوص الحاشيتين على مجرّد الاستلزام دون الفرعيّة بالقياس إلى تقرّر المثبت له وإلى ثبوته جميعا ، وإن كان من حيث إنّه مطلق ثبوت شيء لشيء على الفرعيّة بالنّسبة إلى التّقرّر فقط ، كما فى ثبوت الذّاتيّات لذويها. وأمّا من لم يؤمن بالجعل البسيط فجدير بأن يمنع الفرعيّة ويقنع بالاستلزام مطلقا. فأحسن إعمال السّجيحة بلطف القريحة.
(٤) ومنها : سبق فعليّة الماهيّة على الوجود إنّما يستقيم على تلك المحجّة ، فيقال : صار الإنسان فوجد. لست أقول : صار الإنسان إنسانا أو شيئا آخر فوجد ، بل صدر نفس الإنسان وفاض قوامه فوجد. وأمّا الّذين لا يؤمنون بالجعل البسيط فلعلّ القول بالمساوقة أصحّ لأنظارهم. لكن تأخّر اللّواحق المنضمّة والانتزاعات اللاّحقة والاعتبارات العارضة عن مرتبة قوام الماهيّة كاد يكون من الفطريّات. وأمّا سبق الوجود على الفعليّة فلا يستصحّه إلاّ ذو فطرة سقيمة (١٠).
(٥) ومنها : الجاعل إذا فعل نفس الماهيّة انتزع منها الوجود قبل سائر اللّواحق.