فإذا كان المجعول ممّا يستمرّ ذاته يكون ذلك باستمرار تأثير الجاعل فى نفس الماهيّة بالإصدار على أن يفعل نفس الماهيّة ويصدرها فى تمام زمان تقرّرها ، وهو زمان شخصىّ لو حلّله الذّهن إلى أزمنة أو انتزع منه آنات حكم العقل بأنّ الجاعل يصدرها زمانا فزمانا ، أو آنا فآنا ، بنفس الجعل الأوّل ، كما إذا كان المجعول اتّصاف الماهيّة بالوجود ؛ فلزم لاستلزام المعلول تحصيل العلّة وجوده فى زمان شخصىّ هو مجموع زمان وجوده.
فإذا حلّله الذّهن إلى أزمنة أو انتزع منه آنات ، حكم العقل بأنّ العلّة تفيض الوجود وتحصّله زمانا فزمانا ، أو آنا فآنا ، بنفس التحصيل الأوّل ، إذ الماهيّة فى حدّ نفسها ليست على جهة من الفعليّة أصلا ، لا فعليّة قوام الماهيّة وتقرّرها ولا فعليّة الوجود ولا فعليّة صفة من الصّفات اللاّزمة والصاحبة ؛ بل هى من حيث نفسها فى حيّز القوّة الصّرفة وبقعة الفاقة المحضة. فحيث لا إفاضة من الجاعل لا ماهيّة ولا وجود للمجعول.
فما لم يستمرّ جعل الجاعل لم يستمرّ قوام الماهيّة ولا اعتبار الوجود ، ولا يستلزم ذلك كون الجاعل زمانيّا فى فعله ، بل مجرّد كون المجعول زمانيّا فى نفسه. وسينكشف لك من ذى قبل إن شاء اللّه تعالى.
فتحدّس من ذلك : أنّ الموجودات الممكنة فى ذواتها ، من حيث ماهيّاتها وباعتبار وجوداتها وبجميع مالها من اللّوازم واللّواحى ، وديعة من جناب الموجود البحت الواجب الوجود الحقّ المتقرّر بذاته ، أودعها برحمته مستودع حكمته ؛ وعارية استعارها عالم التّقرّر من كبرياء حضرته ، فإذن له ما فى السّماوات وما فى الأرض.
(٦) ومنها : ما ليس له ماهيّة متقرّرة فى الأعيان أو فى ذهن ما من الأذهان السّافلة والعالية ، فليس من عالم الإمكان ، بل من الممتنعات بالذّات ، فإنّ سلب تقرّر الماهيّة على الإطلاق وإن أمكن بالنّظر إلى نفس الماهيّة دائما ولو حين ما هي متقرّرة إلاّ أنّ الجاعل يطرده عن الماهيّة بأن يفعلها ويفيض تقرّرها وقوامها فى الأعيان أو فى ذهن ما ، ويتبع مطلق التّقرّر مطلق الوجود.