ولذلك لم يكن شيء من الممكنات معدوما مطلقا إلاّ بالإمكان بالنّظر إلى ذاته ، لا بالفعل بحسب إفاضة المبدأ الأوّل ـ عزّ مجده ـ وخصوص التقرّر فى الأعيان أو فى ذهن بخصوصه إنّما يكون بجعل الماهيّة هناك.
فالبارى المبدع ـ سبحانه ـ أبدع الأذهان العالية والمفارقات العقليّة وأخرجها من اللّيس المطلق بأن فعل أنفسها فى الأعيان فى وعاء الدّهر والسّرمد ، وستعرفه إن شاء اللّه تعالى ، وفعل قوام جملة الماهيّات وتقرّرها فى تلك المدارك.
فمهما شاء حصول شيء من تلك الماهيّات فى الأعيان أو فى ذهن ما سافل ، فعل نفس الماهيّة هناك بالجعل البسيط ، فانتزع منها الوجود فى الأعيان أو فى ذلك الذّهن.
فإذن ، ما ارتكب ـ من تخصيص الجعل البسيط بما فى العدم المطلق والسّلب المستوعب ، وعدّ إفاضة الماهيّة المتمثّلة فى الذّهن فى الأعيان ، من ضروب الجعل الاختراعىّ المؤلّف ـ تخييل فيه إزاغة عن التحصيل.
<٦> ضابط ميزانيّ
الاتّصاف بشيء فى ظرف ما : إمّا «انضماميّ» بانضمام الصّفة إلى الموصوف فى ذلك الظّرف ، ولا محالة يستدعى ثبوت الحاشيتين معا فى ظرف الاتّصاف ، كما فى الأعراض العينيّة ؛ وإمّا «انتزاعيّ» بأن يكون الموصوف فى ظرف الاتّصاف بحيث يصحّ للعقل إذا لاحظه على ما هو عليه من الأحوال هناك أن يحكى عنه بما ينتزعه منه فيصفه به بحسب حاله فى ذلك الظّرف ، كما فى الإضافيّات والسّلبيّات المنتزعة فى قولنا : «السّماء فوق الأرض ، وزيد أعمى مثلا» ، على أنّهما من القضايا الخارجيّة.
فمصداق الحمل السّماء وزيد ، بحسب الوجود فى الخارج على وجه يطابقه انتزاع الصّفة بأن يلحظه العقل حال الموضوع فى ذلك الوجود فيقايس بينه وبين موجود آخر كالأرض ، فيجد بينهما إضافة مخصوصة ، فيحكم بالفوقيّة ، أو بينه