وبين مفهوم ما ، كالبصر ، فيجده مسلوبا عنه بالفعل ثابتا له بالقوّة النّوعيّة ، فيحكم عليه بأنّه متّصف (١١) بالعمى ويصدق ، لوجود الموصوف فى الأعيان على ما يطابقه انتزاع الصّفة عنه. وذلك فقط حظّ السّلوب من الوجود فى الأعيان.
وكذلك الأمر فى الاتّصاف الذّهنىّ ، إذ مصداق الحكم بكليّة الإنسان ، مثلا ، هو وجوده فى نحو من أنحاء لحاظة الذّهن على وجه خاصّ يصير مبدءا لانتزاع العقل الكليّة منه ، ثمّ حمله المشتقّ منها عليه.
وهذا النّحو من الاتّصاف لا يستدعى ثبوت الحاشيتين فى ظرف الاتّصاف ، بل إنّما ثبوت الموصوف فقط ، إذ ليس معناه إلاّ كون وجود الموصوف فى الأعيان أو فى الأذهان على نحو يكون مبدءا لصحّة انتزاع الصّفة عنه ومطابقا للحكم بها عليه ، فهو المحكيّ عنه بالصّفة والواقع الّذي يعتبر مطابقة الحكم له حتى يوصف بالصّدق.
وأمّا ثبوت الصّفة (١) فى خصوص ظرف الاتّصاف ، فليس ممّا يستلزمه ذلك الاتصاف ولا ممّا يستوجبه فطرة أو برهان ، بل القدر الضّروريّ هو مطلق الوجود للصّفة ؛ فإنّ ما لا يكون موجودا فى نفسه أصلا يستحيل أن يكون موجودا لشيء ، ولعلّ الحكم به فطرىّ.
والفرق بين مطلق الوجود وبين خصوص الوجود فى ظرف الاتّصاف غير خفىّ ، وإن كان مطلق الوجود لبعض الصّفات بخصوصها اتفق أن كان بالتّحقّق فى الأذهان فقط ، ولبعضها بخصوصها اتفق أن كان بالحصول فى الأعيان فقط ، إلاّ أنّ الخصوصيّات ملغاة من جانب الصّفة فيما تستدعيه بطبيعة الاتّصاف ، لا من جانب الموصوف ؛ إذ يعتبر فيه خصوص وجوده فى ظرف الاتصاف بالنّظر إلى استدعاء طبيعته.
فإن اوهم : أنّ الاتصاف نسبة ، فكما يقتضي وجود الموصوف فكذلك يقتضي وجود الصفة. قيل : مطلق تحقّق الاتصاف يستدعى مطلق تحقّق الحاشيتين ، وكذا
__________________
(١). هذا ردّ على السيّد السّند ، منه.