فمقصودهم من قولهم : «القيّوم الواجب بالذّات واجب الوجود من جميع جهاته» أنّه واجب من جميع جهات تتعلق به وحده ولا تتوقف على الغير ؛ لكونه مصدرا ومبدءا ، لا ككون الغير صادرا منه أو متأخّرا عنه ؛ فإنّ بين الاعتبارين فرقا.
ونحن نقول : الفرق بين الإضافات والسّلوب وبين مباديهما الّتي بإزائهما. وهى من صفات القيّوم الواجب بالذات حقيقة ، ككون ذاته هو مصدر المعلول ، لا كون المعلول صادرا منه ، وكونه فى ذاته قائما بذاته ، لا فى مادّة لا كون المادّة مسلوبة عنه حقّ. والإضافات والسّلوب ممكنات متوقّفة على القيّوم الواجب بالذّات وعلى الغير ، لكنّها غير ممكنة التّجدّد بالقياس إليه وإن كانت متجدّدة فى أنفسها وبقياس البعض إلى البعض بحسب افق الزّمان.
<١٥> ختم تحقيقيّ
حقّيّة كلّ شيء تقرّره ووجوده ، وحقيقة كلّ شيء خصوصيّة تقرّره ووجوده الّذي يثبت له ؛ والممكن بالذّات لا تقرّر ووجود له بنفسه ؛ والقيّوم الواجب بالذّات هو المتقرّر الموجود الواجب التّقرّر والوجود بذاته.
فإذن ، لا حقّ أحقّ من القيّوم الواجب بالذّات ، بل هو الحقّ المحض ؛ وكلّ شيء غيره فإنّه باطل فى حدّ ذاته. وإنّما تطرأ على ذاته بحسب نسبة ذاته إلى الحقّ المحض بالاستناد إليه حقيّة من جهة ذلك الاستناد (١) هى ظلّ الحقيّة المحضة المطلقة.
فهذه جملة من خواصّ طباع وجوب التقرّر والوجود بالذّات. واستقصاء القول فيها إنّما له حيّز طبيعىّ فى الشّطر الرّبوبىّ. فترقّب هتافا من عالم الملكوت : أن قد آن آنه وحان حينه. وإنّى معك لرحمة ربّى لمن المترقّبين.
__________________
(١). فى الأصل : اختتام المسافة الخامسة.