فتبيّن من هذا : أنّ القيّوم الواجب بالذّات لا يتأخّر عن وجوده وجود منتظر ولا صفة من الصّفات ، بل كلّ ما هو ممكن له فهو واجب له. فلا إرادة منتظرة ولا طبيعة منتظرة [ولا علم منتظر] ولا صفة من الصّفات له منتظرة ، ولا تجدّد لشيء بالقياس إليه. وإنّما التّجدّدات للمعلولات فى حدّ أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض. وإنّما أبدع المعلولات وأوجدها فى وعاء الدّهر مرّة واحدة بالقياس إلى ذاته الحقيقيّة وإن كانت تلك المرّة الواحدة فى وعاء الدّهر بالقياس إلى ذاته مرّات شتّى بالقياس إلى ذوات المعلولات فى أفق الزمان. فالتّجدّدات بحسب أفق الزّمان ليست توجب تجدّدا بالقياس إليه ولا فى الإضافات. ولهذا ذكر فيما يجاء به من ذى قبل إن شاء اللّه تعالى (٨٩).
<١٤> تعقيب
حاول بعض الأتباع (١) تبيان المسألة بأنّه «لو فرض اتّصاف القيّوم الواجب بالذّات بأمر ثبوتىّ أو سلبىّ لا يكفى فى تحقّقه ذاته ، لتوقّف حصول ذلك الأمر له ، أو انتفاؤه عنه على حضور غير خارجىّ أو عدمه ، وذاته من جهة ذلك الاتصاف متوقفة على حضور ذلك الحصول أو الانتفاء. والموقوف على الموقوف على الغير موقوف على الغير ، فيلزم أن يكون القيّوم الواجب بالذّات موقوفا على الغير ، والموقوف على الغير إنّما هو ممكن ، تعالى اللّه عنه». ثم قال : «هذه الحجّة لا تتمشّى إلاّ بنفى كون الإضافات امورا وجوديّة فى الأعيان».
فردّ عليه بعض من يحمل عرش التّحصيل والتّحقيق (٢) بانّ : «توقّف أمر متعلّق بالواجب وغير الواجب لا يوجب توقّف الواجب على غير الواجب ، بل لا يوجب إلاّ توقّف ذلك الأمر على غير الواجب. والإضافيّات والسّلبيّات من الصّفات كلّهما كذلك. والحكماء يقولون باتّصاف القيّوم الواجب بالذّات بها.
__________________
(١). عنى به الإمام الرّازىّ. قاله فى تصانيفه ، من «شرح الاشارات» وغيره ، سمع.
(٢). عنى به خاتم الحكماء ، نصير الملّة والدّين الطوسىّ. قاله فى نقد المحصّل وفى شرحه للإشارات ، سمع.