فإذن ، فاعلم أنّ القيّوم الواجب بالذّات واجب من جميع جهاته ؛ إذ كلّ جهة من جهاته فهى راجعة إلى جهة وجوب التقرّر والوجود بالذّات.
فهذه الجهة وحدها منزلتها منزلة جميع جهات العزّ والكمال ومثابتها مثابة جملة حيثيّات العلوّ والمجد. فاتّصاف القيّوم بأيّة صفة من الصّفات الكماليّة الّتي تليق بجناب مجده ، معناه استحقاق إطلاق الاسم الموضوع لتلك الصّفة على حيثيّة وجوب التقرّر والوجود له ، وهى الحيثيّة القيّوميّة الوجوبيّة الذّاتيّة.
ومن سبيل آخر : ليس يجوز أن يتّصف القيّوم الواجب بالذّات بصفة كماليّة لعلّة غير ذاته ؛ فإنّ ما سوى ذاته ليس إلاّ مجعولات ذاته على الاستغراق الشّمولىّ.
وكيف يكون المجعول أكرم من جاعله القيّوم الواجب بالذّات ـ تعالى عن ذلك ـ حتّى يفيده كمالا ما؟ وكيف وكلّ ما له من الكمال فهو من حيثيّة جاعله ومن وجود علّته؟ بل إنّما هو ظلّ كمال الجاعل ولا أن يكون ذلك الاتّصاف بعلّته واقتضاء من ذاته ، وإلاّ كان فى مرتبة الذّات خلوا من تلك الصّفة. ثمّ هو متلبّس بها أخيرا. وذلك ينتهى إلى تكثّر الحيثيّة التّقييديّة فى ذاته الأحديّة وقد بان بطلانه وظلمه.
فإذن ، كلّ صفة كماليّة فإنّها نفس ذاته وعين حقيقته ، فيكون لا محالة عين وجوب التّقرّر والوجود بالذّات. فإذن ، ليست له جهة إمكانيّة بوجه من الوجوه أصلا.
ومن سبيل آخر : كما أنّ ذاته الحقّة أعلى من أن يكون وراء معنى ما بالقوّة فكذلك هو بحسب الفعليّة أرفع من أن يتصوّر له ملابسة معنى ما بالقوّة. فلو كان هو من جهة واجب الفعليّة ومن جهة اخرى ممكن الفعليّة ، فيكون تلك الجهة تكون له ولا تكون له. ولا يخلو الأمر من ذلك ، وكلّ منهما بعلّة يتعلّق الأمر بها ضرورة ، فيلزم أن يكون ذاته متعلّقة بعلّتى أمرين لا يخلو منهما لو لم يكن واجب الفعليّة بذاته مطلقا ، بل مع العلّتين ، سواء كان أحدهما وجودا والآخر عدما ، أو كلاهما وجودين.