وبلغ نصابى إلى حيث فككت عقد الأفكار ونحلت العلوم ونقدت الأنظار ؛ وبفضل منه ورحمة أرخت أسقام الأفهام وسرحت صدور غوامض الأحكام ، وأبرحت الحكمة وأبلجتها وأملجت الفلسفة وأنضجتها.
فأداء لأخفّ ما من بروق لهذه الموهبة الرّبوبيّة ، وأداء لأقلّ ما لتلك الحقوق على هذه الذّمّة المربوبيّة وضعت هذا العلق المتين والعرق الوتين شريعة للشّارعين وذريعة للبارعين ، عسى اللّه أن يجعله «الافق المبين» والسّبيل المستبين ، فيه أمّ الأنوار العلميّة وأمم الأسرار الحكميّة وبرهان سطوع العقل والحكمة فى ساهرة الدّين وإبّان نجوم الحقّ والحقيقة من مشرق اليقين.
وأيم اللّه ، فلقد آن آنه وحان حينه ، ولم يكد يرام بوضعه إلاّ التّدرّج إلى أن يتعرّف سبيل جناب الرّبوبيّة حيث ما يجدر به من الوجود والصّفات ونسبة المبدعات إليه ، كيف منه البدء وبه البقاء ، وإليه الرّجوع ، على شاكلة ما انضجت من المنهجة الرّبانيّة والفلسفة اليونانيّة حتّى استوت حكمة يمانيّة إيمانيّة ، حسب أقصى ما يتهيّأ له ابن البشر بعقله المخدج وقسطه السّملج استعمالا لشركة الحدس واقتناصا بشبكة البرهان مع غموضة المطلب وصعوبة المسلك وتلوع السّطاع وقصور الباع وما ريم أكرم بغية وأكبر وجهة من أبواب العلم ، وما هو إلاّ العلم الأعلى وحكمة ما فوق الطبيعة المتّسمة بعلم الأنوار والمفارقات.
فإن اتّفق إحصاف الاصول من سائر المقاصد لم يستوجبه المطلب المقصود ، فليس إلاّ على الاستجراء اللاّحق وبالقصد الثّاني ، والاستيفاق لنيل الحقائق والمعانى من ربّ الأول والثّوانى ومن إليه مصير المواحد والثّوانى.
وإذ لم أثق فيه إلاّ بالمهيمن على كلّ الامور ، حفيظ العقول من هلكات الدّثور وعاصم النّفوس عن سقطات العثور ، ولم أتّبع به إلاّ وجه التّعليم بذات الصّدور أؤمّل أن يجعله من أفضل ما يعصم بحوله من الخداج والقصور وأجزل ما يقدّم من طوله لحياة نشأة النّشور ؛ إنّه جدير بالإجابة ، قدير على الإفاضة ، له الملك والأمر ، وبيده الجود والخير ، وهو على كلّ شيء عليم.
وخزائن الحقائق فى الكتاب تنظم أبوابها صرحتان ، فى كلّ منهما مسافات ، فى كلّ منها فصول ، فى كلّ منها عنوانات مناسبة لجواهر المطالب ومسالك المآرب.