وأمّا السّرمد ، فهو نوع آخر أرفع وأقدس من الدّهر أيضا ومحيط به ، سواء خصّصناه بالقيّوم الواجب بالذّات ـ عزّ شأنه ـ كما أدّى إليه صراط نضج الحكمة الحقّة الحقيقيّة ، أو سوّغنا أن ينسب إليه جملة المفارقات المحضة من الجائزات المجعولة والممكنات المعلولة ، كما هو سبيل الفلسفة المشّائيّة.
والفلاسفة النّجباء المحصّلون حاولوا التّعبير عن هذه المعانى المحصّلة بألفاظ ملخّصة ، فقالوا : نسبة المتغيّر إلى المتغير زمان ، ونسبة الثّابت إلى المتغيّر دهر ، ونسبة الثّابت إلى الثّابت سرمد ، ويعمّها الدّوام المطلق ، والدّهر وعاء الزّمان.
<٨> وهم وتزييف
أسمعت مثير فتنة التّشكيك يقلّد ضعفاء التعقّل ويقول ردّا على الفلاسفة ؛ إنّ هذا التّهويل خال عن التّحصيل ؛ لأنّ المفهوم من «كان» و «يكون» لو كان أمرا موجودا فى الأعيان لكان إمّا أن يكون قارّ الذّات ، فيلزم أن لا يوجد فى المتغيّرات ، وإمّا أن يكون غير قارّ الذّات ، فيستحيل وجوده فى الثّابت. وهذا التّقسيم لا يندفع بالعبارات.
وليس يسع فطنته أن يتفطن أنّ بعض الحقائق لا يدخل فى جنس قرار الذّات ولا قرار الذّات ، لخروجه عن جنس القسمة واللاّقسمة ، بل إنّما يكون المتقرّر المحض ، لا منقسم حصول التّقرّر أو غير منقسم حصول التّقرّر ، إذ المعدوم المحض لا منقسم وقوع العدم أو غير منقسم حصول التقرّر ؛ وأنّه ممّا لم يرتب فيه ذو قريحة أنّ وقوع الحركة التّوسّطيّة أو القطعيّة مع الزّمان ليس كوقوع الجسم القارّ الذّات الثّابت الوجوب بما هو ثابت الذّات والوجود مع الزّمان ، ولا كوقوع القارّ الذّات الثّابت الوجود مع القارّ الذّات الثّابت الوجود ، كالسّماء مع الأرض ، بما هما قارّان ثابتان. وذلك الفرق معقول محصّل.
فالموجود إذا كان له هويّة اتصاليّة غير قارّة بحسب نفس ذاته ، كالحركة القطعيّة أو بحسب اختلاف نسبته إلى امور غير ذاته بالاقتضاء والحصول ، لا بحسب جوهر