والسّفليّة حاضرة عند النفس لا تغيب عنها إذا كانت فى العالم الأعلى» (ص ٣٠).
ثمّ قال : «وما الّذي يمنع النّفس إذا كانت فى العالم الأعلى من أن تعلم الشيء المعلوم دفعة واحدة ، واحدا كان المعلوم أو كثيرا لا يمنعها شيء عن ذلك البتة ، لأنّها مبسوطة ذات علم مبسوط ، تعلم الشّيء الواحد مبسوطا كان أو مركّبا ـ دفعة واحدة ، مثل البصر ؛ فإنّه يرى الوجه كلّه دفعة واحدة ، والوجه مركّب من أجزاء كثيرة ، والبصر يدركه وهو واحد غير كثير ـ كذلك النّفس إذا رأت شيئا مركّبا كثير الأجزاء علمته كلّه دفعة واحدة معا ، لا جزءا بعد جزء. وإنّما تعلم الشيء المركّب دفعة واحدة معا ، لأنّها تعلمه بلا زمان ؛ وإنّما تعلم الشيء المركّب دفعة بلا زمان ، لأنّها فوق الزّمان ؛ وإنّما صارت فوق الزّمان لأنّها علّة للزمان» (ص ٣١).
وقال فى آخر الميمر الأوّل : «ليس كلّ فاعل يفعل فعله فى زمان ، ولا كلّ علّة قيل معلولها بزمان. فإن أردت أن تعلم هل هذا المعلول زمانىّ أم لا ـ فانظر إلى الفاعل : فإن كان تحت الزّمان فالمفعول تحت الزّمان لا محالة ؛ وإن كانت العلّة زمانيّة ، كان المعلول زمانيّا أيضا. فالفاعل والعلّة يدلاّن على طبيعة المفعول والمعلول : إن كانت تحت الزّمان وإن لم تكن تحته» (ص ٢٨). نجزت ألفاظه. (أفلوطين ، اثولوجيا. تحقيق عبد الرّحمن بدوى).
وقد بسط هذه الاصول فى كتبه بسطا بالغا كثيرا. ورئيس مشّائيّة الإسلام الشّيخ أبو عليّ بن سينا قال فى طبيعيّات الشفاء : (ص)
«والشيء الموجود مع الزّمان وليس فى الزّمان. فوجوده مع استمرار الزّمان كلّه هو الدّهر. وكلّ استمرار وجود واحد فهو فى الدّهر. وأعنى بالاستمرار وجوده بعينه كما هو مع كلّ وقت على الاتّصال. فكأنّ الدّهر هو قياس ثبات إلى غير ثبات ، ونسبة هذه المعيّة إلى الدّهر كنسبة تلك الفيئيّة إلى الزمان ونسبة الامور الثّابتة بعضها إلى بعض والمعيّة التى لها من هذه الجهة هو معنى فوق الدّهر. ويشبه أنّ أحقّ ما سمّى به السّرمد». (ص)
وقال فى موضع آخر من الشفاء : «معنى قولنا : الجسم فى زمان أنّه فى الحركة ،