الأقصى وناحية الجوهر الأدنى عند اشتمال الحركة على متقدم ومتأخّر ووجود الجسم فى تبدّل وتغيّر ، والدّهر وعاء زمانه ونسبة مبدعاته إلى اختلاف أحيانه ويفيض عنه وجود جواهر روحانيّة لإمكانيّة ولا زمانيّة».
وقال تلميذه بهمنيار فى تحصيله : «وهذه المعيّة إن كانت بقياس ثبات إلى غير ثبات فهو الدّهر ، وهو محيط بالزّمان وإن كانت نسبة الثّابت إلى الثّابت فأحقّ ما يسمّى التّسرمد ، بل هذا الكون ، أعنى كون الثّابت مع غير الثّابت ، والثّابت مع الثّابت ، بإزاء كون الزّمانيات فى الزّمان. فتلك المعيّة كأنّها متى الامور الثّابتة وكون لامور فى الزّمان متاها ، فليس فى الدّهر ولا فى السّرمد امتداد لا فى الوهم ولا فى الأعيان ، وإلاّ كان مقدارا للحركة».
وقال شيخ أتباع الرّواقيّة فى التلويحات : «الجسم من حيث هو جسم ليس فى الزّمان ، بل لأنّه فى الحركة وهى فى الزّمان والأشياء الغير المتغيرة أصلا ، كالعقليّات والّتي تتغيّر من جهة وتثبت من جهة كالأجسام هى مع الزّمان لا فيه. ونسبة ما مع الزّمان إليه فى الثّبات هو الدّهر ، ونسبة بعضه إلى بعض اصطلح عليه بالسّرمد».
فهذا نبذ من ألفاظهم فى التّعبير عن هذه الأوعية والأكوان. ولهم هناك ضروب من الأقاويل المطوّلة عند محاولة التّوضيح والتّبيان ، وإنّ من لم يؤلّفه ذلك بالهطوع (١) على الحقّ لم ينفعه ما زاد عليه نفعا.
<١٠> ظنون وتوهينات
قد تهوّكت مهوّشة المعرفة ومشوّشة الفلسفة من متقدّمة الفلاسفة فى العصور السّابقة فى أمر الزّمان والدّهر. فمن اكتنفه فساد الغريزة الإنسانيّة منهم قد اختلق أنّ للزمان وجودا مفارقا للمادّة على أنّه جوهر أزليّ مستقلّ بالقيام بنفسه ووجود هو واجب الوجود بذاته ، فيستحيل أن يتعلّق بالحركة ، ويجوز أن يوجد الزّمان وإن لم يوجد الحركة. ويجب ان يستعاذ باللّه ، سبحانه ، من هذه الشّقاوة الثّقيلة. ومن له
__________________
(١). هطع الرجل يهطع هطوعاك إذا أقبل على الشيء ببصره ولا يقطع عنه. ص. التهوّك : التحيّر. شرح.