إنّ الحركة اسم لمعنيين : (١) الأوّل الأمر المستقلّ المقبول المتحرك ما بين المبدأ أو المنتهى. (١٥٥) وذلك ما لا يحصل بالفعل قائما فى الأعيان ؛ لأنّ المتحرك ما دام لم يصل إلى المنتهى ، فالحركة لم توجد بتمامها ، بل إنّما يظنّ أنّ ذلك قد حصل نحوا من الحصول إذا كان المتحرك عند المنتهى ، وهناك يكون هذا المتصل المفعول قد انقطع وبطل.
فإذن ، كيف يكون له حصول حقيقىّ فى الوجود. وهذا الأمر بالحقيقة ممّا لا ذات له قائمة فى الأعيان ، بل إنّما يرتسم ذلك فى الذّهن ، لأنّ صورته قائمة فى الذّهن بسبب نسبة المتحرك إلى مكانين : مكان تركه ومكان أدركه ؛ أو يرتسم فى الخيال ؛ لأنّ صورة المتحرّك وله حصول فى مكان وقرب وبعد من الأجسام قد يكون قد انطبعت فيه ، ثمّ يلحق من جهة الحسن صورة أخرى بحصول له فى مكان آخر وبعد وقرب آخرين. فإذا ارتسمت صورة كونه فى المكان الأوّل فى الخيال ثمّ قبل زوالها عن الخيال ارتسمت صور كونه فى المكان الثّاني فقد اجتمعت الصّورتان فى الخيال.
فحينئذ يشعر الذّهن بالصّورتين معا على أنّهما شيء واحد ، إمّا لأنّ إحدى الصّورتين فقد اتّصلت بالاخرى ، فحصل أمر ممتدّ منهما شبه اتّصال الماء بالماء وصيرورتهما أمرا ممتدا واحدا ؛ وإمّا لأنّ حصولهما معا يصير معدّا للذّهن ، لحصول أمر ممتدّ فيه.
فالحركة بهذا المعنى لا يكون لها فى الوجود العينىّ حصول قائم ، كما فى الذّهن ؛ إذ الطرفان لا يحصل فيهما المتحرّك فى الوجود معا ، ولا الحالة الّتي لها بينهما لها وجود قائم.
(٢) والثّاني المعنى الموجود فى الخارج الّذي بالحرى أن يكون الاسم واقعا عليه وأن يكون الحركة الّتي توجد فى المتحرّك. فهى حالته المتوسّطة حين يكون ليس فى الطرف الأوّل من المسافة ، ولم يحصل عند الغاية ، بل هو فى حدّ متوسّط. فهذا هو صورة الحركة الموجودة فى المتحرّك ، أى : التّوسّط بين المبدأ المفروض