المكان غير موجود أو يكون موجودا فى مكان أو فى حدّ من مكان. وذلك لأنّه ليس يجب إمّا أن يكون موجودا فى مكان أو فى جزء مكان ، وإمّا غير موجود ، بل من الأشياء ما ليس موجودا البتة فى مكان ، ومن الأشياء ما ليس البتة موجودا فى الزّمان. والمكان من جملة القسم الأوّل ، والزّمان من جملة القسم الثانى. وستعلم هذا بعد». (١)
فههنا قد نجزت عبارته. وإنّما تكلّفنا حكايتها بعينها تبرئة لاولئك الأقدمين الأسبقين عن إفكة هؤلاء المقلّدين المحدثين وتزجية لبضاعة هؤلاء اللاّحقين من صناعة أولئك السّابقين ليتبصّر من يتوفّى الحكم بالأمر ويختبر من يتحرّى الصّناعة مبلغ كلّ فريق من العلم، فلا يقتفى المقلّدون أثر هؤلاء المتشكّكين المتهوكين ولا يبق المتعلّمون بما زاغ ... مغريا إلى السّلف عند هذه الأفّاكين المتهتكين ، فهؤلاء حثالة من ينتهى إلى هذا العلم وسفالة من ينسب إلى هذه الصّناعة. فما أقلّ خبرهم بعلوم الأسلاف وما أكثر إصرهم فى غباوة الأخلاف.
<٢٥> تتمة
لا امتراء لك فى أنّ وجود الامور الماضية فى الزّمان الماضى بحسب وعاء الدّهر وبالقياس إلى المبدأ القيّوم الواجب بالذّات ـ جلّ ذكره ـ مع عدمها فى الحال ، وفى الزّمان المستقبل بحسب افق الزّمان وبالقياس إلى الزّمانيّات هو الحكم الحقّ العقلىّ والفحص البالغ الحكمىّ وإخراج الوجود فى الماضى عمّا يقع بحسب الوجود فى الواقع ، شنشنة الأوهام الضّعيفة العاميّة الّتي ليس لها إلى مندوحة الحكمة من سبيل.
وبالجملة ، نفي وجود الحركة مطلقا كان من الهوسات الّتي أحدثها فريق من مهوّشة اليونانيين. ثمّ استحصف بما أحصفه معلّم المشّائيّة ، وإنكار وجود الحركة القطعيّة والزّمان الممتدّ المنطبق عليها فى الأعيان مع إثبات وجودهما فى الذّهن من
__________________
(١). ابن سينا ، الشفاء ، الطبيعيات ، ص ١٦٦ ـ ١٦٧.