أحداث الفلاسفة الإسلاميّة فى تشويش الفلسفة قبل الاستواء ، قد انمحى بعد استواء أمر الفلسفة فى زمن الرّؤساء.
وأمّا استنكار وجودهما فى الأعيان مطلقا ، مع الاعتراف بالوجود العينىّ للحركة التّوسّطيّة والآن السّيّال واقتضاء ذلك حدوث ارتسام الحركة المتصلة والزّمان الممتدّ فى الذّهن تدريجا واجتماع أجزائهما بحسب البقاء هناك فى آن واحد على أن يستحيل الحصول لا على قرار الذّات لهما فى الأعيان ، فهو قول قد حدث وصار من أحداث المتفلسفة المتأخّرة فى هذه السّنين الأخيرة ، ثمّ انمحق وانمحى فى زمننا بمحاولتنا طبخ الفلسفة ونضج الحكمة الحقّة الخالصة ، والحمد للّه ربّ العالمين.
<٢٦> ردع تنبيهيّ
أما أنت من الموقنين ، بعد ما قرّر عليك ، أنّ الحقيقة المتغيّرة المتجددة بذاتها إنّما هو حقيقة الزّمان ، فليس شيء غير الزّمان هو غير قارّ الذّات بذاته ، ولا يتصف شيء بالمضىّ والاستقبال بالذّات إلاّ الزّمان. فإذا عرض له انقسام ، والفرض فيه أن اتّصف أحد القسمين بالمضىّ بذاته بالقياس إلى ذلك الآن والآخر بالاستقبال بذاته بالقياس إليه ، والمجموع بلا قرار الذّات فى الوجود. وأمّا الحركة فإنّما هى غير قارّ الذّات بحسب الوقوع فى الزّمان الماضى ولا يتّصف شيء منها بالمضىّ إلاّ بالاعتبار بالوقوع فى الزّمان الماضى ولا بالاستقبال إلاّ من جهة الحصول فى الزّمان المستقبل. فالماضى إمّا بذاته وهو الزّمان وإمّا بالزّمان وهو الحركة وما فيها وما معها.
فإذن حقيق بك أن ترتدع عمّا يظنّ أتباع الرّواقيّة ، تارة : أنّ ما يجب فيه التّقضّى والتّجدّد بحسب سنخ ماهيّته من حيث هى هى الحركة إنّما هو الحركة ؛ وتارة : أنّ التّجدّد لماهية الحركة بنفس ذاتها والتّقضّى لها بالزّمان ؛ وتارة : أنّ الزّمان والحركة متّحدان بالذّات متغايران بالاعتبار ، فقد اضطرب نظره أشدّ الاضطراب.