<٢٧> استيفاء
إنّ بعض رؤساء الفلسفة الإسلاميّة يذهب إلى أنّ كلّ ما حصل من الزّمان الممتدّ والحركة المتصلة فى الأعيان تدريجا فقد تمّ وجوده فى الماضى وهو شيء واحد متصل فى نفسه، وهو من حيث ذاته بحيث لو انفصل إلى الأجزاء كانت تلك الأجزاء غير قارّة الوجود حدوثا وبقاء.
فإذا عرضت قسمة وتعيّن بحسبها آن حصل قسمان : أحدهما ماض بذاته بالقياس إلى الآن والآخر مستقبل بذاته بالقياس إليه. وكلاهما من المتصل الوحدانىّ الّذي قد فرض وجوده فى الماضى. فهذا ما يعنى باتصال الماضى والمستقبل وليس فيه اتصال الموجود بالمعدوم أصلا.
أليس كلّ منهما جزءا من الّذي قد تمّ حصوله ولكن لا حصولا قارّا. وأمّا المستقبل الّذي هو فى كتم العدم الصّرف بعد ، فليس هو المستقبل الّذي يقال إنّه جزء من الزّمان المتصل الموجود. وكيف يكون ما لم يدخل إلى الوجود بوجه جزءا من الّذي قد تمّ حصول الوجود له بوجه. فإذن ، الزّمان الممتدّ الموجود إنّما هو ماض ووجوده ليس إلاّ فى الماضى.
ثمّ هذا الموجود فى الماضى إذا انفرض فيه آن انفصل إلى ماض ومستقبل بالقياس إلى ذلك الآن وجميع أجزائه متضايفة بحسب الحضور عند المبدأ. وهو من هو أدقّ تأمّلا وأوسع تعقّلا من هذا البعض منهم يرى أن مبدع الكلّ قد أوجد الزّمان المتصل من أزله إلى أبده.
وكذلك الحركة بل جملة مقارناتها دفعة واحدة فى وعاء الدّهر الّتي يلفمها لفما الوهم، وهى الدّفعة الواحدة الزّمانيّة الّتي إنّما تكون بحسب الاجتماع فى آن واحد ، بل الّتي هى وراء الأوقات (١٥٧) والأوهام. وإنّما هى بحسب أصل الحصول فى وعاء الدّهر وبحسب إحاطة المبدع الجاعل بالكلّ على نسبة واحدة غير متعدّدة ، وإيجاده للجميع بالإخراج من كتم اللّيس الصّرف فى الواقع على الاعتزال