من التّمادى واللاّتمادى إلى صقع الأيس الدّهرىّ لا فى زمان ولا فى آن. ثمّ المضىّ أو الاستقبال إنّما يكون للبعض بالقياس إلى البعض بعد فرض انفصال ذلك المتصل ، لا بحسب الوقوع فى وعاء الدّهر ولا بحسب الإضافة إلى الجاعل ، وهو بكلّ شيء محيط.
وعلى هذا المسلك أيضا ليس يلزم أن يتصل المعدوم بالموجود بحسب الواقع مطلقا ؛ لأنّ المستقبل غير موجود فى افق الزّمان مقيسا إلى الماضى وإلى الحال ، لا أنّه بحسب الوجود الاستقبالىّ معدوم فى وعاء الدّهر ولا أنّه يتخلّف عن الماضى من جهة الوقوع فى وعاء الدّهر ومن حيث الحضور عند الوجود الحقّ.
فإذن ، ليس الزّمان الممتدّ الموجود فى وعاء الدّهر هو الماضى بالنّسبة إلى الحال فقط ، بل هو المتصل المنحلّ إليه وإلى المستقبل أيضا بالقياس إلى الحال وإن لم يكن المستقبل موجودا فى افق الزّمان بعد. فليس يجب أن يكون المعدوم فى افق الزّمان بعد معدوما فى وعاء الدّهر أيضا بعد. بل إنّ ذلك متخيّل بالنّظر إلى طباع وعاء الدهر. فليس هناك ماض واستقبال. فهذا هو المذهب الوثيق ، ومعلّم المشّائيّة تامّ التّوغّل فى الانسباق إليه.
وأمّا شيخ فلاسفة الإسلام أبو عليّ بن سينا وكذا بعض من يعدّ من أترابه ، فمرّة يجنج إلى الأوّل ، وذلك فى العلوم الطبيعيّة ، ومرّة يلتزق بهذا المذهب الأخير الّذي هو سواء السّبيل. وذلك فى العلوم الإلهيّة. قال فى طبيعىّ الشفاء ، حيث عقد فصلا فى حلّ الشّكوك الموردة على كون الحركة واحدة :
«أمّا قول اولئك : «أن لا حركة إلاّ وهى منقسمة إلى ماض ومستقبل» ، فهو غير صحيح. فإنّك تعلم أنّ الحركة الّتي هى الكمال الأوّل ليست ممّا ينقسم إلى ماض ومستقبل ، بل هى دائما بين ماض ومستقبل. وأمّا الحركة الّتي هى بمعنى القطع فلا تحصل حركة وقطعا إلاّ فى زمان ماض ، ومع ذلك : فإن كانت الحركة تنقسم إلى ماض ومستقبل فإنّها تنقسم بالقوّة ؛ فإنّه إذا فرض فى الزّمان الّذي يطابقها آن عرض لها أن تنقسم، لا أنّ يكون حاصلا بالفعل. وبالجملة ، فإنّها إذا انقسمت فإنّما