والعدم عن الواقع بالمرّة ، أى : عن نفس الأمر رأسا. وإلاّ لزم أن يكون الشّيء الغير الزّمانىّ باطلا ومتقرّرا معدوما موجودا فى وعاء الدّهر معا معيّة دهريّة ، وهو مستحيل وفطرىّ الاستحالة. وكذلك سبيل القول فى غير الحوادث الزّمانيّة من الزّمانيّات الموجودة.
وأمّا الحوادث الزّمانيّة فإنّ فيها إشكالا عسرا صعبا قد عضّل الأمر تعضيلا عظيما وعقّد البحث تعقيدا عويصا. وهو : أنّه يلزم من ذلك التّبيان أن يكون حدوثها بارتفاع عدمها عن الواقع رأسا ، وهو معنى ارتفاع العدم عن وعاء الدّهر ، مع أنّ الدّليل القائم على أنّ الوجود الزّمانىّ المنقطع فى افق الزّمان لا يرتفع عن الواقع رأسا ، لعدم ارتفاعه عن زمانه ، بل إنّما عن الزّمان الّذي هو بعد ذلك الزّمان. فقد ناهض بعينه هناك ؛ فإنّ الحادث الزّمانىّ إن ارتفع عدم عن الزّمان الّذي هو قبل زمان حدوثه لزم وجوده فى ذلك الزّمان الّذي هو زمان العدم ، فيلزم التّناقض فى القول واجتماع المتناقضين فى ذلك الزّمان وإن لم يرتفع عدمه عن ذلك الزّمان ، بل إنّما عن زمان الوجود فقط ، فلم يكن مرتفعا عن الواقع وفى وعاء الدّهر ، بل إنّما ينقطع استمراره فى افق الزّمان ، كما الوجود من غير فرق بينهما.
فحقيق بنا أن نبسط أيدي عقولنا ، سائلين من ربّنا العليم الحكيم فكاك الأمر من هذه العقدة القرّاعة ، مبتهلين إليه فى المسألة ، ملحّين فى الضّراعة. فنقول وباللّه الاعتصام :
ألم يقرع سمعك أنّ تحقّق الطبيعة يكون بتحقّق فرد ما من أفراد تلك الطبيعة ، وارتفاعها لا يكون إلاّ بارتفاع جميع الأفراد ، وأنّ العدم هو رفع تحقّق طبيعة الوجود ولا تحقّق طبيعة ذلك الرّفع ؛ فاستشعر أنّه إذا حصل الوجود للحادث فى زمان ما بحسب الواقع تحقّق مطلق الوجود له فى الواقع.
فبطل ، إذن ، صدق عدمه فى الواقع ، وهو رفع طبيعة وجوده فى وعاء الدّهر وإن صدق عدمه فى زمان ما ، وهو طبيعة الوجود عنه فى ذلك الزّمان ، وهو زمان قبل الحدوث.