هويّته ، ولا كذلك شأن امتداد الجرم الأقصى فى نفسه ولا حال تمادى مقداره بالنّسبة إلى العدم المتصوّر فوقه.
فقد انصرح ممّا استبان سبيل تبيانه أنّ للعقل أن يتصوّر هناك عدمين :
أحدهما : عدم ذات الفلك الأقصى بالمرّة ؛ وليس هو فى جهة امتداد جرمه ، ولا هو متخصّص بأن يتصوّر فوق سطحه ، بل هو متّحد النّسبة إلى كلّه وجزئه وطرفه ووسطه. والفلك الأقصى مسبوق به بذاته ووجوده ، لا أنّه منته إليه بطرفه. فهذا العدم ليس ممّا يعبّر عنه باللاّخلاء واللاّملاء المكانيّ ، بل هو العدم الّذي قد عبّر عنه باللاّخلاء واللاّملاء الزّمانىّ. ونسبته إلى ذات الزّمان وإلى ذات الفلك الأقصى وحركته واحدة.
وكما يكذب أن يقال ، بل يمتنع أن يتصوّر أنّه يمكن أن ينبسط امتداد الزّمان فيتمادى مقداره فى ذلك العدم ، فيتوهّم بحسب ذلك أنّ له إمكان أن يخلق قبل ما خلق وأن يكون له مقدار أعظم وعدد أكثر ممّا قد اتفق له ؛ فكذلك يكذب أن يقال ، بل يمتنع أن يتصوّر مثل ذلك فى ذات الفلك الأقصى وحركته بالقياس إلى ذلك العدم. وهو ليس يجامع وجود الزّمان والحركة والفلك ، بل إنّه يبطل وينتفى عن الواقع بحصول الوجود فى وعاء الدّهر.
والآخر : عدم انبساط الجرم الأقصى فوق سطحه وانتفاء تمادى الأبعاد مطلقا وراء ذلك السّطح. وهذا العدم ليس هو انتفاء ذوات المقادير والامتدادات بالمرّة ، بل هو انتفاء نحو تماديها ، فلا محالة هو متخصّص بأن يتصوّر فوق الفلك الأقصى ووراء سطحه وفى جهة امتداد جرمه وأن ينتهى إليه الفلك بطرفه ولا يكون مسبوقا به بذاته ووجوده. وهو الّذي يقال له اللاّخلاء واللاّملاء المكانىّ.
وليس أنّه يبطل ويرتفع عن الواقع بوجود المكان والمكانيّات كما وجب أن يبطله اللاّخلاء واللاّملأ الزّمانىّ ويرتفع عن الواقع بوجود الزّمان والزّمانيّات ، بل إنّما يصدق الحكم بهذا بحسب الواقع مع وجود الفلك الأقصى وسائر المقادير والامتدادات بتّة.