فإذن ، قد وضح : أنّه يمكن ، للفلك الأقصى بالنّظر إلى نفس ذاته وطباع هويّته الجرميّة ، مع عزل النّظر (١٦٤) عن كلّ ما يغاير طباع الامتداد الجرمانىّ ، أن يتصوّر امتداد جرمه فى ابتداء الفطرة على مقدار هو أعظم من المقدار الّذي هو عليه الآن ، فيكون شاغلا لبعض العدم الّذي هو اللاّخلأ واللاّملأ المكانىّ وإن كان ذلك توهّما كاذبا مستحيلا بالنّظر إلى ذلك العدم ، لأنّه انتفاء محض وليس بالضّرورة ، لا يعقل فيه بعد وجهة حتّى يمكن أن يمتدّ شيء فيه وينبسط.
وليس شأنه بالقياس إلى العدم الصّرف الّذي هو انتفاء ذاته بالمرّة ، وهو اللاّملاء واللاّملأ الزّمانىّ على تلك الشّاكلة ؛ فإنّه يمتنع أن يتصوّر انبساط الامتداد الجرمانىّ وتماديه بحيث يقع فى شيء من ذلك العدم من كلّ جهة ، سواء اعتبر الأمر بحسب ذات ذلك الامتداد وهويّته أو بحسب طباع المفهوم من ذلك العدم.
وإذ قد تمّ : أنّ الامتداد الزّمانىّ بحسب سنخ ذاته وهويّته ، بحيث لا يمكن أن يتصوّر بالإضافة إليه إلاّ أحد ذينك العدمين فقط ؛ أى الّذي وضع له اللاّخلأ واللاّملأ الزّمانىّ ، وهو الّذي مفهومه انتفاء الزّمان والزّمانيّات بالمرّة ، والّذي الزّمان مسبوق به فى وعاء الدّهر ، وهو غير مجتمع معه فى الواقع البتة ، ولا هو بمنته إليه بطرفه فقط.
فقد تحقّق أنّه ليس من الجائز أن يتصوّر أنّ من الممكن أن يخلق الزّمان قبل ما خلق وأن يكون له فى البداية مقدار أعظم ممّا قد حصل بوجه من الوجوه أصلا ، لا بحسب ذاته ولا بحسب ما يتصوّر من العدم بالقياس إليه.
وبالجملة ، فرض كون الزّمان أكثر مقدارا وأطول تماديا فى جهة البداية ممّا قد خلق عليه هو بعينه فرض كونه موجودا قبل وجوده ؛ بخلاف الفلك الأقصى ؛ فإنّ كونه أعظم مقدارا فى أوّل الفطرة ممّا قد خلق عليه لا يستلزم كونه موجودا قبل وجوده ، فضلا عن أن يكون فرض أحد الأمرين هو بعينه فرض الآخر ، وفرض وجود الزّمان قبل وجوده فى قوّة فرض الامتداد فى اللاّخلأ واللاّملأ الزّمانىّ. فإذن قد تمّ نصاب الفرق بين الزّمان والفلك فى هذا الحكم.