وقد تبيّن من ذلك أنّ اللاّخلأ واللاّملأ لا يبطل بوجود الملأ المكانىّ فى الواقع ، بل يجتمع ذلك العدم مع هذا الوجود فى الواقع بخلاف اللاّخلأ واللاّملأ الزّمانىّ ؛ فإنّه يبطل وينقّض بوجود الملأ الزّمانىّ فى الواقع ولا يحشد ذلك العدم وهذا الوجود فى الواقع ، بل حيث قام صدق الحكم بالأخير انقضّ صدق الحكم بالأوّل.
وإذ قد ألقيت سمعك إلى ما تلوناه عليك ، فاتّخذه مشرعا لعقلك إلى نهر الحكمة وشريعة لسيرك فى عوالم الملكوت واعتلق به فى روعك أشدّ الاعتلاق ؛ فإنّه من جملة ما يتمّ به ميقات أن يستقرّ عرش الحكمة الحقيقيّة اليقينيّة وينقضّ جدار الفلسفة الظنّيّة التّخمينيّة.
<٤٠> إعضال طاح ومخرج ضاح<القضاء والقدر>
إنّ فيما أوضحنا سبيله إشكالا عويصا وتعضيلا غامضا غير مختصّ بمحجّة الحقّ ، بل عسر الصّعوبة شديد الغموض عامّ التّضييق على الحكمة التّحقيقيّة اليمانيّة وعلى الفلسفة التّخمينيّة اليونانيّة وعلى الطريقة التّخييليّة الّتي خيّلها المتكلّمون جميعا.
وهو أنّه ، كما يقضى البرهان بتناهى امتداد الزّمان والحركة من جانب الأزل ويبطل أزليّة وجود التّوسّط والآن السيّال ، فكذلك يقضى بذلك فى جانب الأبد ويبطل أبديّة وجود هذين من غير فارق ضرورة الماضى والمستقبل كليهما موجودان فى وعاء الدّهر على وصف الوحدة الاتّصاليّة ، ويتّصفان بالحضور عند البارى بتّة دفعة واحدة دهريّة.
فإذن ، يلزم أن ينتهى الزّمان إلى حيث لا يتمادى بعده أصلا. والآن السّيّال إلى حيث مستمرّين بعد. وكذلك حكم الحوادث الزّمانيّة المتجدّدة على سبيل التّرتيب. فكما اقتضى البرهان تناهيها فى الآزال فكذلك يلزم منه تناهيها فى الآباد ، فيكون للحدوث حدّ ينتهى إليه ، فلا يتحقق بعد حادث وحدوث. وقد ذكر من قبل :