والوجوب السّابق والإمكان ، ولوازم الماهيّة بالاصطلاح الشّائع متقدّمة على اللّواحق بحسب الوجود ، كالأعراض العينيّة أو اللّوازم الذّهنيّة أو اللّوازم الماهيّة والإضافات والسّلوب المنتزعة بحسب الوجود فى الأعيان أو فى الذّهن وسبق لواحق الذّات بحسب تقرّر سنخ الماهيّة (١٧٧) على اللّواحق بحسب الوجود من توابع السّبق بالماهيّة.
وللماهيّة على اللاّحق بحسب الوجود ، كالجسم على البياض ، نحوان من السّبق : سبق بالماهيّة بنفس التّجوهر وسبق بالطبع بالوجود. أليس المعروض للبياض هو الجسم الموجود ، على أنّ الوجود له مدخل فى المعروضيّة ، بخلاف معروض الوجود ؛ فإنّه نفس الماهيّة المرسلة ، لا الماهيّة الموجودة ، ولذلك كان سبق الماهيّة على الوجود سبقا بالماهيّة فقط.
ثمّ قد كان قرع سمعك واستبان لك فيما قد سلف : أنّ وجود الماهيّة سابق على لوازمها ، لا لأنّ الوجود يدخل فيما يستند إليه لازم الماهيّة. فقد كنت تعرّفت أنّ علّة اللاّزم نفس الماهيّة المرسلة ، لا الماهيّة باعتبار مطلق الوجود ، كما توهّم بعض المجازفين ، بل لأنّ علّة الشّيء يتقدّم عليها بالوجود تقدّما بالذّات وإن لم يكن للوجود مدخل فى العلّيّة ، ولأنّ الوجود أوّل ما يتبع تقرّر الماهيّة وينتزع منها ، وليس طباع لازم الماهيّة يستدعى ذلك ، بل إنّ سنّة الماهيّة المتقرّرة وشاكلة الوجود تستحقّانه ، إذ الوجود ليس مطابقة إلاّ نفس الماهيّة المتقرّرة ، ولا كذلك الأمر فى لوازم الماهيّة.
فإذن ، الوجود متقدّم على لوازم الماهيّة تقدّما بالماهيّة وليس داخلا فيما تستند هى إليه. كما أنّ لازم الماهيّة يتقدّم على غيرها من اللّواحق المتأخّرة تقدّما بالماهيّة فقط ، لا بالوجود ؛ إذ التقدّم بالوجود ينحصر فى سبق العلّة على المعلول ناقصة أو تامّة ، وليس يتعدّاه ، بخلاف التّقدّم بالماهيّة. وعند هذا ، فقول شيخ فلاسفة الإسلام فى إلهيّات الشفاء : «ما يلحق جوهر الشّيء بذاته أقدم ممّا يلحقه بغيره فى مرتبة متأخّرة» ، قد اقترّ مقرّه.