ثمّ نقلوا ذلك إلى ما يكون هذا الاعتبار له بالقياس إلى الوجود ، فجعلوا الشّيء الّذي يكون له الوجود أوّلا وإن لم يكن للثّانى ، والثّاني لا يكون له إلاّ وقد كان للأوّل وجودا متقدّما على الآخر ، مثل : الواحد ، فإنّه ليس من شرط الوجود للواحد أن تكون الكثرة موجودة ؛ ومن شرط الوجود للكثرة أن يكون الواحد موجودا.
وليس فى هذا أنّ الواحد يفيد الوجود للكثرة أو لا يفيد ، بل إنّه يحتاج إليه حتى يفاد للكثرة وجود بالتّركيب منه.
ثمّ نقل بعد ذلك إلى حصول الوجود من جهة اخرى ؛ فإنّه إذا كان شيئان وليس وجود أحدهما من الآخر ، بل وجوده له من نفسه أو من شيء ثالث ، لكنّ وجود الثّاني من هذا الأوّل ؛ فله من الأوّل وجوب الوجود الّذي ليس له لذاته من ذاته ، بل له من ذاته الإمكان على تجويز من أن يكون ذلك الأوّل مهما وجد لزم وجوده أن يكون علّة لوجوب وجود هذا الثّاني ؛ فإنّ الأوّل يكون متقدّما بالوجود لهذا الثّاني» (١). انتهى ما قاله بعبارته.
وهو قول مغشوش ، يليق بنا أن ننقد خالصه من زائفه ، فنقول : إنّ تشارك الأنواع الثّلاثة فى كون نفس المعنى هناك كالمبدإ المحدود حقّ ليس يتعدّاه العقل. وأمّا أنّ اشتراكهما فى هذا المفهوم على سبيل واحد ؛ على أن يكون الافتراق باحتباس ذلك المعنى فى الوجوب وفى وجوب الوجود فى اللّذين هما بالطبع وبالعليّة وفى سائر المفهومات الّتي هى غير الوجود وغير وجوب الوجود فى الذّهن هو بالشّرف ؛ ففاسد سخيف لا يتجشمه إلاّ ذهن عسوف.
والصّحيح الصّريح : أنّ المعنى الصّريح الّذي هو كالمبدإ المحدود فى التقدّم بالشّرف إنّما يعتبر على أن يكون منه للمتقدّم ما ليس للمتأخّر ولا يكون منه للمتأخر إلاّ أنقص ممّا منه للمتقدّم ؛ ولا يعتبر هناك أن يكون ذلك المعنى للمتقدّم وليس هو للمتأخّر ولا يكون للمتأخّر إلاّ حين هو للمتقدم ؛ فإنّ ذلك لا يكون إلاّ من جهة الافتياق والتوقّف. والتّقدّم بالشّرف ليس بحسب تلك العلاقة ، بل إنّما هو
__________________
(١). ابن سينا ، الشفاء ، الإلهيّات ، المجلّد الأوّل ، ص ١٦٣.