بحسب اعتبار الكمال والرّجحان.
وأمّا التّقدّم بالطبع والتقدّم بالماهيّة والتقدّم بالعليّة ، فحيث إنّها ليست إلاّ بحسب فاقة المتأخّر إلى المتقدّم. واستغناء المتقدّم عنه إمّا فى الوجود أو فى التّجوهر ؛ والفاقة إمّا فاقة التألّف وإمّا فاقة الصّدور. فلا جرم إنّه يعتبر هنالك أنّ المعنى الّذي هو نفسه كالمبدإ المحدود ، ولا يكون هو إلاّ نفس التّجوهر أو نفس الوجود أو نفس وجوب التّجوهر. والوجود يكون بالفعل للمتقدّم وليس هو البتة للمتأخّر ، ولا يكون هو بالفعل للمتأخّر إلاّ وهو حاصل بالفعل أوّلا للمتقدّم بتّة.
فإذن ، فى اعتبار التقدّم بالشّرف من الاختيار للرئيس ما ليس منه للمرءوس ، وليس منه للمرءوس إلاّ بعض ما منه للرئيس ، كما تلونا عليك فى الفصل السّابق ، لا أنّ الاختيار يقع للرئيس وليس هو للمرءوس ولا يقع للمرءوس إلاّ حين ما هو واقع للرئيس ، فيتحرّك باختيار الرّئيس ، كما ذكره هذا الشّريك الرّئيس.
أليس ذلك بعيد الأمر إلى توقّف وقوع الاختيار للمرءوس على وقوعه للرّئيس ، فيعود التّقدّم تقدّما بالطبع ويصير المعنى الّذي فيه التقدّم ، وهو نفسه كالمبدإ المحدود ، هو وجود الاختيار وحصوله.
فقد انصرح : أنّ الافتراق بين السّبق بالشّرف وبين تلك الأنواع بحسب المعنى والحقيقة ، لا بمجرّد الحصر والتّخصيص ، والمعنى هو كالمبدإ المحدود فى التقدّم بالشّرف ليس يعتبر على أنّه مقصود على ما عدا الوجود.
بل لو كان يصحّ فى الوجود تشكيك بالشّدّة والضّعف ، على ما يراه بعض المتفلسفين ، لصحّ أيضا اعتبار التقدّم بالشّرف فيه ، وجعل نفسه كالمبدإ المحدود ، لكن لا على النّحو الّذي يلحظ فى التقدّم بالطبع ، بل على الوجه المعتبر فى التقدّم بالشّرف. فاستثناء الوجود هناك من جهة أنّه لا يقع فيه تشكيك بالشدّة والضّعف ، لا من تلقاء طباع السّبق بالشّرف.
فإذن ، معيار صحّة اعتبار السّبق بالشّرف فى معنى وقوع التّشكيك فيه بالشّدّة والضّعف ، ومعيار اعتبار السّبق بالشّرف لشخص ما على آخر ، رجحانه عليه بحسب الفضائل.