ويعجبنى ألفاظ شريكنا السّابق الفائق الماتع البارع ، أفضل المحدقين بعرش الفلسفة اليونانيّة ، من الفلاسفة الإسلاميّة ، الرّئيس أبى عليّ بن سينا ، حيث يقول فى كتاب الإشارات :
«إيّاك أن يكون تكيّسك وتبرّؤك عن العامّة هو أن تنبرئ عن كلّ شيء ؛ فذلك طيش وعجز. وليس الخرق فى تكذيبك ما لم تستبن لك ، بعد ، جليّته دون الخرق فى تصديقك بما لم تقم بين يديك بيّنته ؛ بل عليك الاعتصام بحبل التّوقّف. وإن أزعحك استنكار ما يوعاه سمعك ما لم تتبرهن استحالته لك ، فالصّواب لك أن تسرّح أمثال ذلك إلى بقعة الإمكان ما لم يذدك عنها قائم البرهان» (١).
<٢٢>ختامة مسكيّة
طريقة السّطحيّين المشدوهين عن اللّبوب بالقشور وعن الأسرار بالظّواهر فى الفلسفة اليونانيّة ـ أعنى الّتي ليست هى الحكمة بالحقيقة وإنّما هى شبح الحكمة ، ولا هى حقيقة العلم وإنّما هى شبيهة المعرفة ـ : إنّ الماهيّة قد تتعرّى فى الآتى من جهة الأبد عن الوجود فى الأعيان ، ولا تتعرّى مطلقا عن الوجودين معا. كما أنّها ربما عريت فى السّالف من جهة الأزل عن الوجود (٤٨) فى الأشياء الخارجة ولم تعر فى تلك الجهة عن الوجودين معا على الإطلاق.
والتّعرّى عن الوجودين معا عند ثلّة من الفلاسفة ممتنع بالنّظر إلى الماهيّة بالغير وعلى سبيل الاتفاق ، من جهة أنّ جملة الطبائع وقاطبة المفهومات مرتسمة فى الأذهان العالية ابدا لا بالذّات ، فإنّ الماهيّة ، كما لا تأبى فى سنخها عدم التّلبّس رأسا بالوجودين معا ، وإنّما أوجبت لها العلّة وجودا ما ، كذلك لا تأبى أن تتعرّى عن الوجودين معا ، بعد أن كانت تلبّست بمطلق الوجود وإنّما يمتنع عليها ذلك من جهة علّة خارجة إلاّ ماهيّة الزّمان ؛ فإنّها بسنخها تأبى أن تتعرّى عن الوجودين معا وعن خصوص الوجود فى الأعيان أيضا بعد أن كانت تلبّست.
__________________
(١). شرح الإشارات ، ج ٣ ، ص ٤١٨.