إلى المدينة المنوّرة ومُنِي هناك بالملاريا الشديدة ثمّ شفي منها ورجع فقد يُنتِج ذلك الاقتران بين الملاريا والسفر إلى المدينة علاقةً بينهما ، فمتى تصور المدينة انتقل ذهنه إلى تصور الملاريا.
وإذا درسنا على هذا الأساس علاقة السببية بين اللفظ والمعنى زالت المشكلة ، إذ نستطيع أن نفسِّر هذه العلاقة بوصفها نتيجةً لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورةٍ متكرّرةٍ أو في ظرفٍ مؤثّر ، الأمر الذي أدّى إلى قيام علاقةٍ بينهما ، كالعلاقة التي قامت بين المدينة والملاريا أو بين النوفلي والسكوني ، فالسبب في تكوّن العلاقة اللغوية والدلالة اللفظية هو السبب في قيام العلاقة بين المدينة المنورة والملاريا ، أو بين النوفلي والسكوني تماماً.
ويبقى علينا بعد هذا أن نتساءل : كيف اقترن تصور اللفظ بمعنى خاصٍّ مراراً كثيرةً أو في ظرفٍ مؤثّرٍ فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟ فنحن نعلم ـ مثلاً ـ أنّ اسم السكوني واسم النوفلي اقترنا مراراً عديدةً في مطالعاتنا للروايات ؛ لأنّ النوفلي يروي دائماً عن السكوني ، فكنّا نجد السكوني إلى جانبه كلّما وجدنا اسمه فقامت العلاقة بينهما ، فما هي الأسباب التي جعلت اللفظ يقترن بالمعنى كما اقترن اسم النوفلي باسم السكوني أو كما اقترنت فكرة الملاريا بفكرة المدينة في ذهن الشخص الذي اصيب بها حال سفره إلى المدينة؟
والجواب على هذا السؤال : أنّ بعض الألفاظ اقترنت بمعانٍ معيّنةٍ مراراً عديدةً بصورةٍ تلقائية ، فنشأت بينهما العلاقة اللغوية ، وقد يكون من هذا القبيل كلمة «آه» ، إذ كانت تخرج من فم الإنسان بطبيعته كلّما أحسّ بالألم ، فارتبطت كلمة «آه» في ذهنه بفكرة الألم ، فأصبح كلّما سمع كلمة «آه» انتقل ذهنه إلى فكرة الألم.
ومن المحتمل أنّ الإنسان قبل أن توجد لديه أيّ لغةٍ قد استرعى انتباهه