كانت تختلف اختلافاً جوهرياً عن موقف مدرسة أهل البيت عليهمالسلام التي كانت تحارب الاتّجاه العقلي المتطرّف ، وتؤكّد في نفس الوقت أهمّية العقل وضرورة الاعتماد عليه في الحدود المشروعة ، واعتباره ضمن تلك الحدود أداةً رئيسيةً للإثبات إلى صفّ البيان الشرعي ، حتى جاء في نصوص أهل البيت عليهمالسلام : «أنّ لله على الناس حجّتين : حجّة ظاهرة ، وحجّة باطنة ، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة ، وأمّا الباطنة فالعقول» (١).
وهذا النصّ يقرّر بوضوحٍ وضع العقل إلى صفّ البيان الشرعي أداةً رئيسيةً للإثبات.
وهكذا جمعت مدرسة أهل البيت عليهمالسلام بين حماية الشريعة من فكرة النقص ، وحماية العقل من مصادرة الجامدين.
وسوف نعود إلى الموضوع بصورةٍ علميةٍ موسّعةٍ في الحلقات المقبلة.
وأمّا الاتّجاه الآخر المتطرّف في إنكار العقل وشجبه الذي وجد داخل نطاق الفكر الإمامي فقد تمثّل في جماعةٍ من علمائنا اتّخذوا اسم «الأخباريّين والمحدّثين» ، وقاوموا دور العقل في مختلف الميادين ، ودعوا إلى الاقتصار على البيان الشرعي فقط ؛ لأنّ العقل عرضة للخطإ ، وتأريخ الفكر العقلي زاخر بالأخطاء ، فلا يصلح لكي يستعمل أداةَ إثباتٍ في أيّ مجالٍ من المجالات الدينية.
وهؤلاء الأخباريون هم نفس تلك الجماعة التي شنّت حملةً ضدّ الاجتهاد ،
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٠٧ ، الباب ٨ من أبواب جهاد النفس ، الحديث ٦