غرض كبير يدعو إلى العناية باصول الفقه ويبعث على الاشتغال بها» (١).
هذه هي الحقيقة الاولى.
والحقيقة الاخرى هي : أنّ التفكير الاصولي السنّي كان قد بدأ ينضب في القرن الخامس والسادس ، ويستنفد قدرته على التجديد ، ويتّجه إلى التقليد والاجترار ، حتّى أدّى ذلك إلى سدِّ باب الاجتهاد رسمياً.
ويكفينا لإثبات هذه الحقيقة شهادةٌ معاصرةٌ لتلك الفترة من عالمٍ سنّيٍّ عاشها ، وهو الغزَّالي المتوفّى سنة (٥٠٥ ه) ، إذ تحدّث عن شروط المناظر في البحث ، فذكر منها : «أن يكون المناظر مجتهداً يفتي برأيه ، لا بمذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما ، حتى إذا ظهر له الحقّ من مذهب أبي حنيفة ترك ما يوافق رأي الشافعي وأفتى بما ظهر له ، فأمّا من لم يبلغ رتبة الاجتهاد ـ وهو حكم كلّ أهل العصر ـ فأيّ فائدةٍ له في المناظرة» (٢).
ونحن إذا جمعنا بين هاتين الحقيقتين ، وعرفنا أنّ التفكير الاصولي السنّي الذي يشكِّل عامل إثارةٍ للتفكير الاصولي الشيعي كان قد أخذ بالانكماش ومُنِيَ بالعُقم استطعنا أن نستنتج أنّ التفكير العلمي لدى فقهائنا الإمامية ـ رضوان الله عليهم ـ قد فقد أحد المثيرات المحرِّكة له ، الأمر الذي يمكن أن نعتبره عاملاً مساعداً في توقّف النموّ العلمي.
ولعلّ من أفضل الوثائق التأريخية التي تصف تلك الفترة ما ذكره الفقيه
__________________
(١) الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٦١ ، السطر ١٣
(٢) إحياء علوم الدين ١ : ٥٦ الباب الرابع