إذْ يمكن أنْ يكون الجعل في الجملة الإستفهامية بمعنى الحكم كما صرّح به النيسابوري آخراً ، ويكون الجملة حكايةً عن قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وتأكيداً لما اضمر في الكلام من الإقرار ببعثهم على الشهادة المذكورة ، بأنْ يكون المعنى : إن الشهادة المذكورة لا يمكن التوقّف فيها إلاّلمن جعل من دون الرحمن آلهةً يعبدون. ونظير هذا الإضمار واقع في القرآن في قوله تعالى : ( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا ... ) (١) فإنّ المراد ـ كما ذكره النيسابوري وغيره ـ فأرسلوني إليه لأسأله ومروني باستفتائه ، فأرسلوه إلى يوسف فأتاه فقال : ( يُوسُفُ ... ) الآية.
غاية الأمر : أنْ يكون ما نحن فيه من الآية ـ لخفاء القرينة على تعيين المحذوف ـ من المتشابه الذي لا يعلم معناه إلاّبتوقيف من الله تعالى على لسان رسوله. وهذا لا يقدح في مطابقة قوله سبحانه : ( أَجَعَلْنا ) الآية ، لِما روي في شأن النزول.
فلا مناقشة ولا شيء من المناكير. وإنّما المنكر هذا الشقي الناهق الذي يذهب إلى كلّ زيف زاهق ، وينعق مع كلّ ناعق ، ويلحس فضلات المتأخرين ، ويزعم أن ما ذكروه آخر كلامٍ في مقاصد الدين » (١).
__________________
(١) إحقاق الحق وإزهاق الباطل ٣ / ١٤٤ ـ ١٤٧.