فوجدت العلم كلّه في كتاب الله العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأخبار أهل بيت الرسالة الّذين جعلهم الله خزّاناً لعلمه وتراجمةً لوحيه ، وعلمت أنّ علم القرآن لايفي أحلام العباد باستنباطه على اليقين ، ولا يحيط به إلّا من انتجبه الله لذلك من أئمّة الدّين ، الّذين نزل في بيتهم الرّوح الأمين . فتركت ما ضيّعت زماناً من عمري فيه ، مع كونه هو الرّائج في دهرنا ، وأقبلت على ما علمت أنّه سينفعني في معادي ، مع كونه كاسداً في عصرنا . فاخترت الفحص عن أخبار الأئمّة الطاهرين الأبرار سلام الله عليهم ، وأخذت في البحث عنها ، وأعطيت النظر فيها حقّه ، وأوفيت التّدرّب فيها حظّه .
ولعمري لقد وجدتها سفينة نجاة ، مشحونةً بذخائر السعادات ، وألفيتها (١) فلكاً مزيّناً بالنيّرات المنجية عن ظلم الجهالات ، ورأيت سبلها لائحةً ، وطرقها واضحةً ، وأعلام الهداية والفلاح على مسالكها مرفوعةً ، وأصوات الدّاعين إلى الفوز والنجاح في مناهجها مسموعةً ، ووصلت في سلوك شوارعها إلى رياض نضرة ، وحدائق خضرة ، مزيّنةً بأزهار كلّ علم وثمار كلّ حكمة ، وأبصرت في طيّ منازلها طرقاً مسلوكةً معمورةً ، موصلةً إلى كلّ شرف ومنزلة . فلم أعثر على حكمة إلّا وفيها صفوها ، ولم أظفر بحقيقة إلّا وفيها أصلها .
ثمّ بعد الإحاطة بالكتب المتداولة المشهورة تتبّعت الاُصول المعتبرة المهجورة الّتي تركت في الأعصار المتطاولة والأزمان المتمادية إمّا : لاستيلاء سلاطين المخالفين وأئمّة الضلال . أو : لرواج العلوم الباطلة بين الجهّال المدّعين للفضل والكمال . أو : لقلّة اعتناء جماعة من المتأخّرين بها ، اكتفاءاً بما اشتهر منها . لكونها أجمع و أكفى وأكمل وأشفى من كلّ واحد منها .
فطفقت أسأل عنها في شرق البلاد وغربها حيناً ، وألحّ في الطلب لدى كلّ من أظنّ عنده شيئاً من ذلك وإن كان به ضنيناً (٢) . ولقد ساعدني على ذلك جماعة من
________________________
(١) ألفيت الشيء : وجدته .
(٢) الضنين : البخيل ، أي وإن كان في إعطائه كل أحد بخيلا إما : لنفاسة نسخه أو لندرتها .