أنّ بعض الناس يستكمل نفسه الناطقة بالعقل واستعداد فهم الأشياء وإدراك الخير والشرّ عند كونها نطفةً ، وبعضها عند كونها في البطن ، وبعضها بعد كبر الشخص واستعمال الحواسّ وحصول البديهيّات وتجربة الاُمور ، وأن يكون المراد الإشارة إلى أنّ اختلاف الموادّ البدنيّة له مدخل في اختلاف العقل . والله يعلم .
١١ ـ ختص : قال الصادق عليهالسلام : إنّ الله تبارك وتعالى لمّا خلق العقل قال له أقبل فأقبل ، ثمّ قال له أدبر فأدبر ، فقال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعزّ عليّ منك اُؤيّد من أحببته بك .
١٢ ـ وقال عليهالسلام : خلق الله العقل من أربعة أشياء من العلم ، والقدرة ، والنور (١) والمشيّة بالأمر ، فجعله قائماً بالعلم ، دائماً في الملكوت .
١٣ ـ ع : ابن الوليد ، عن الصفّار ، عن ابن عيسى ، عن البزنطيّ ، عن أبي جميلة عمّن ذكره ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : إنّ الغلظة في الكبد ، والحياء في الريح ، والعقل مسكنه القلب .
بيان : إنّ الغلظة في الكبد أي تنشاُ من بعض الأخلاط المتولّدة من الكبد : كالدم والمرّة الصفراء مثلاً . والريح كثر استعماله في الأخبار على ما سيأتي في كتاب أحوال الإنسان . ويظهر من بعضها أنّها المرّة السوداء ، ومن بعضها أنّها الروح الحيوانيّ ، ومن بعضها أنّها أحد أجزاء البدن سوى الأخلاط الأربعة والأجزاء المعروفة . والقلب يطلق على النفس الإنسانيّ لتعلّقها أوّلاً بالروح الحيوانيّ المنبعث عن القلب الصنوبريّ ، ولذلك
________________________
(١) لعل المراد بالنور ظهور الكمالات والاخلاق السنية والاعمال الرضية ، وبالمشية بالامر اختيار محاسن الامور ، فخلق العقل من هذه الاشياء لعله كناية عن استلزامه لها فكانها مادّته ويحتمل ان يكون « من » تعليلية . أي خلقه لتحصيل تلك الامور ، او المعنى انه تعالى لم يخلقه من مادّة ، بل خلقه من علمه وقدرته ونوريته ومشيته فظهر فيه تلك الاثار من انوار جلاله ، والمراد ان العقل يطلق على الحالة المركبة من تلك الخلال ، واما قيامه بالعلم فظاهر ، إذ بترك العلم يسلب العقل . وكونه دائماً في الملكوت إذ هو دائماً متوجه الى الترقي الى الدرجة العليا ، ومعرض عن شواغل الدنيا ، متصل بارواح المقربين في الملاء الاعلى ويتهيأُ للعروج الى جنّة المأوى . « منه طاب ثراه »