فكّر يا مفضّل في طلوع الشمس وغروبها لإقامة دولتي النهار واللّيل فلولا طلوعها لبطل أمر العالم كلّه فلم يكن الناس يسعون في معايشهم ويتصرّفون في اُمورهم والدنيا مظلمة عليهم ، ولم يكونوا يتهنّؤون بالعيش مع فقدهم لذّه النور وروحه ، والإرب في طلوعها ظاهر مستغن بظهوره عن الإطناب في ذكره والزيادة في شرحه بل تأمّل المنفعة في غروبها ؛ فلولا غروبها لم يكن للناس هدءٌ ولا قرار مع عظم حاجتهم إلى الهدء والراحة لسكون أبدانهم وجموم حواسّهم وانبعاث القوّة الهاضمة لهضم الطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء ثمّ كان الحرص يستحملهم من مداومة العمل ومطاولته على ما يعظم نكايته في أبدانهم فإنّ كثيراً من الناس لولا جثوم هذا الّليل لظلمته عليهم لم يكن لهم هدءٌ ولا قرار حرصاً على الكسب والجمع والادّخار ثمّ كانت الأرض تستحمي بدوام الشمس بضيائها وتحمي كلّ ما عليها من حيوان ونبات فقدّرها الله بحكمته وتدبيره تطلع وقتاً وتغرب وقتاً بمنزلة سراج يرفع لأهل البيت تارة ليقضوا حوائجهم ثمّ يغيب عنهم مثل ذلك ليهدؤوا ويقرُّوا فصار النور والظلمة مع تضادّهما منقادين متظاهرين على ما فيه صلاح العالم وقوامه .
ثمّ فكّر بعد هذا في ارتفاع الشمس وانحطاطها لإقامة هذه الأزمنة الأربعه من السنة ، وما في ذلك من التدبير والمصلحة ؛ ففي الشتاء تعود الحرراة في الشجر والنبات فيتولّد فيهما موادُّ الثمار ، ويستكثف الهواء فينشأ منه السحاب والمطر ، وتشدُّ أبدان الحيوان وتقوي ، وفي الربيع تتحرّك وتظهر الموادّ المتولّدة في الشتاء فيطلع النبات ، وتنوّر الأشجار ، ويهيج الحيوان للسفاد ، وفي الصيف يحتدم الهواء فتنضج الثمار ، وتتحلّل فضول الأبدان ، ويجفّ وجه الأرض فتهيّأ للبناء والأعمال ، وفي الخريف يصفو الهواء ، ويرتفع الأمراض ، ويصحّ الأبدان ويمتدُّ اللّيل فيمكن فيه بعض الأعمال لطوله ، و يطيب الهواء فيه إلى مصالح اُخرى لو تقصّيت لذكرها لطال فيها الكلام .
فكّر الآن في تنقّل
الشمس في البروج الإثنى عشر لإقامه دور السنة ، وما في ذلك من التدبير فهو الدور الّذي تصحّ به الأزمنة الأربعة من السنة : الشتاء ، والربيع
، والصيف ، والخريف ؛ ويستوفيها على التمام ، وفي هذا المقدار من دوران الشمس تدرك