الغلّات والثمار ، وتنتهي إلى غاياتها ، ثمّ تعود فيستأنف النشوء والنموّ ، ألا ترى أنّ السنة مقدار مسير الشمس من الحمل إلى الحمل فبالسنة وأخواتها يكال الزمان من لدن خلق الله تعالى العالمَ إلى كلّ وقت وعصر من غابر الأيّام ، وبها يحسب الناس الأعمال (١) والأوقات الموقّته للديون والإجارات والمعاملات وغير ذلك من اُمورهم ، وبمسير الشمس يكمل السنة ويقوم حساب الزمان على الصحّة .
انظر إلى شروقها على العالم كيف دبّر أن يكون فإنّها لو كانت تبزغ في موضع من السماء فتقف لا تعدوه لما وصل شعاعها ومنفعتها إلى كثير من الجهات لأنّ الجبال و الجدران كانت تحجبها عنها فجعلت تطلع في أوَّل النهار من المشرق فتشرق على ما قابلها من وجه المغرب ثمّ لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتّى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أوَّل النهار فلا يبقى موضع من المواضع إلّا أخذ بقسطه من المنفعة (٢) منها ، والإرب الّتي قدِّرت له ، ولو تخلّفت مقدار عام أو بعض عام كيف كان يكون حالهم ؟ بل كيف كان يكون لهم مع ذلك بقاءٌ ؟ أفلا يرى الناس كيف هذه الاُمور الجليلة (٣) الّتي لم تكن عندهم فيها حيلة ؟ فصار تجري على مجاريها لا تعتلّ ولا تتخلّف عن مواقيتها لصلاح العالم وما فيه بقاؤه .
استدلّ بالقمر ففيه دلالة جليلة تستعملها العامّة في معرفة الشهور ، ولا يقوم عليه حساب السنة ، لأنّ دوره لا يستوفي الأزمنة الأربعة ونشوء الثمار وتصرّمها ، ولذلك صارت شهور القمر وسنوه تتخلّف عن شهور الشمس وسنيها ، وصار الشهر من شهور القمر ينتقل مرَّة بالشتاء ومرَّة بالصيف .
فكّر في إنارته في ظلمة اللّيل والإرب في ذلك فإنّه مع الحاجة إلى الظلمة لهدء الحيوان وبرد الهواء على النبات لم يكن صلاح في أن يكون اللّيل ظلمة داجية لا ضياء فيها فلا يمكن فيه شيء من العمل ؛ لأنّه ربّما احتاج الناس إلى العمل باللّيل لضيق الوقت عليهم في تقصّي الأعمال بالنهار (٤) أو لشدّة الحرّ وإفراطه فيعمل في ضوء القمر أعمالاً
________________________
(١) وفي نسخة : وبها يحسب الناس الاعمار .
(٢) أي بحصته ونصيبه من المنفعة .
(٣) وفي نسخة : كيف كان يكون للناس هذه الامور الجليلة .
(٤) وفي نسخة : في تقضى بعض الاعمال بالنهار .