من أجزاء النور المختلطة بأجزاء الظلمة ، وجعل حول العالم خندقاً خارج الفلك الأعلى يطرح فيه الظلام المستصفى ، فهو لا يزال يزيد ويتضاعف ويكثر في ذلك الخندق وهو ظلام صرف قد استصفى نوره .
وأمّا النور المستخلص فيلحق بعد الاستصفاء بعالم الأنوار فلا تزال الأفلاك متحرّكة والعالم مستمرّاً إلى أن يتمّ استصفاء النور بالممتزج ، وحينئذ يبقى من النور الممتزج شيء منعقد باطل لا تقدر النيران على استصفائه ، فعند ذلك تسقط الأجسام العالية ـ وهي الأفلاك ـ على الأجسام السافلة ـ وهي الأرضون ـ وتفور نار تضطرم في تلك الأسافل وهي المسمّاة بجهنّم ، ويكون الاضطرام مقدار ألف وأربعمائة سنة ، فتحلّل بتلك النار تلك الأجزاء المنعقدة من النور الممتزجة بأجزاء الظلمة الّتي عجز الشمس والقمر عن استصفائها فيرتفع إلى عالم الأنوار ويبطل حينئذ ، ويعود النور كلّه إلى حاله الاُولى قبل الامتزاج وكذلك الظلمة .
الثالث : المرقوبيّة أثبتوا أصلين متضادّين : أحدهما النور ، والثاني الظلمة ، و أثبتوا أصلاً ثالثاً هو المعدّل الجامع وهو سبب المزاج ، فإنَّ المتنافرين المتضادّين لا يمتزجان إلّا بجامع ، وقالوا : الجامع دون النور في الرتبة ، وفوق الظلمة وحصل من الاجتماع والامتزاج هذا العالم .
ومنهم من يقول : الامتزاج إنّما يحصل بين الظلمة والمعدّل إذ هو قريب منها فامتزج به ليتطيّب به ويلتذَّ ملاذَّه فبعث النور إلى العالم الممتزج روحاً مسيحيّة وهو روح الله وابنه تحنّناً على المعدّل السليم الواقع في شبكة الظلام الرجيم حتّى يخلّصه من حبائل الشياطين ، فمن اتّبعه فلم يلامس النساء ولم يقرب الزهومات أفلت ونجا ، ومن خالفه خسر وهلك . قالوا : وإنّما أثبتنا المعدّل لأنَّ النور الّذي هو الله تعالى لا يجوز عليه مخالطة الشيطان ، فإنَّ الضدّين يتنافران طبعاً ، ويتمانعان ذاتاً ونفساً فكيف يجوز اجتماعهما وامتزاجهما ؟ فلا بدّ من معدّل تكون منزلته دون النور وفوق الظلام فيقع المزاج معه . كذا ذكره الشهرستانيّ .
وقال ابن أبي الحديد
: قول المجوس هو أنَّ الغرض من خلق العالم أن يتحصّن