المهملة : الحكم الثابت . والخرق بالضمّ : ضدّ الرفق . والنزق : الطيش والخفّة عند الغضب . وقوله : استفرغنا لعلّه من الإفراغ بمعنى الصبّ ، قال الفيروزآباديُّ : استفرغ مجهوده : بذل طاقته ، والإدحاض : الإبطال .
قال المفضّل : فخرجت من المسجد محزوناً مفكّراً فيما بلي به الإسلام وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها ، (١) فدخلت على مولاي صلوات الله عليه فرآني منكسراً ، فقال : ما لك ؟ فأخبرته بما سمعت من الدهريّين (٢) وبما رددت عليهما ، فقال : لاُلقينَّ إليك من حكمة الباري جلَّ وعلا وتقدَّس اسمه في خلق العالم والسباع والبهائم و الطير والهوامّ ، وكلّ ذي روح من الأنعام ، والنبات والشجرة المثمرة وغير ذات الثمر والحبوب والبقول المأكول من ذلك وغير المأكول ما يعتبر به المعتبرون ، ويسكن إلى معرفته المؤمنون ، ويتحيّر فيه الملحدون فبكّر عليَّ غداً .
قال المفضّل : فانصرفت من عنده فرِحاً مسروراً وطالت عليَّ تلك اللّيلة انتظاراً لما وعدني به ، فلمّا أصبحت غدوت فاستوذن لي فدخلت وقمت بين يديه ، فأمرني بالجلوس فجلست ، ثمَّ نهض إلى حجرة كان يخلو فيها ، فنهضت بنهوضه فقال : اتّبعني فتبعته فدخل ودخلت خلفه ، فجلس وجلست بين يديه ، فقال : يا مفضّل : كأنّي بك وقد طالت عليك هذه اللّيلة انتظاراً لما وعدتك ؟ فقلت : أجل يا مولاي ، فقال : يا مفضّل إنَّ الله كان ولا شيء قبله ، وهو باق ولا نهاية له ، فله الحمد على ما ألهمنا ، وله الشكر على ما منحنا ، وقد خصّنا من العلوم بأعلاها ومن المعالي بأسناها ، واصطفانا على جميع الخلق بعلمه ، وجعلنا مهيمنين عليهم بحكمه ، فقلت : يا مولاي أتأذن لي أن أكتب ما تشرحه ؟ ـ وكنت أعددت معي ما أكتب فيه ـ فقال لي : افعل .
بيان : أسناها أي أرفعها أو أضوأها . والمهيمن : الأمين والمؤتمن والشاهد .
يا مفضّل إنَّ الشكّاك جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة ، وقصرت أفهامهم عن تأمّل الصواب والحكمة ، فيما ذرأ (٣) الباري جلَّ قدسه وبرأ (٤) من صنوف خلقه في
________________________
(١) العصابة : الجماعة من الرجال .
(٢) الدهري : الملحد القائل : بأن العالم موجود أزلا وأبداً ، لا صانع له .
(٣) أي خلق .
(٤) أي خلقه من العدم .